«وهج» ينير مناطق نائية بالطاقة الشمسية.. وعثمان يحول فاجعته إلى مصدر سعادة

نجحت مبادرة «صناع الأمل»، التي تندرج ضمن مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي، يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. وتلقت المبادرة أكثر من 50 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشروعات ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس، وتحسين نوعية الحياة، أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجه مجتمعاتهم.

نستعرض بعض قصص صناع الأمل، التي تفتح نافذة للتفاؤل والإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، سعياً لمشاركة الناس بها، كي تكون مصدر إلهام لمن يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل.

«وهج» بدأ عمله بالترويج لاستغلالها في المناطق التي لا تصلها الكهرباء

متطوعون عمانيون يكرسون ثقافة التحول إلى الطاقة المتجددة

شهدت سلطنة عمان في يونيو 2016 ولادة فريق صغير في حجمه، عظيم في طموحه، كبير في عطائه، مكون من مجموعة من الموظفين الشباب، اتحدوا ليغيروا حياة الناس نحو الأفضل في بعض مناطق السلطنة، من خلال إدخال مفهوم الإنارة بالطاقة الشمسية إلى المناطق النائية.

بدأ فريق وهج التطوعي رحلته عبر مسابقة داخلية في مقر عملهم، حفزتهم على التوجه إلى مجتمع بلادهم كمتطوعين. وانطلقوا منها لينشروا مفهوم الحياة العصرية، المحافظة على البيئة، وأدخلوا مفهوم الإنارة بالطاقة الشمسية إلى المناطق البعيدة، ليقولوا إن الإنارة لم تعد حكراً على بيوت تصلها خطوط الكهرباء، بل أصبحت شمسنا قادرة على إضاءة سواد ليل دامس، بعد يوم نهار ساطع.

وبدأ الفريق عمله بترويج ضرورة استغلال الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المتجددة) لتوفير الكهرباء للمناطق التي لا تصل إليها. لقد أراد الفريق أن يكون رائداً باستغلال الطاقة البديلة في بلاده، وكان له ذلك، إذ أنار بيوت الله كمرحلة أولى، بعد اختيار عدد من المساجد التي تخدم المناطق الجبلية.

كانت البداية مع بلدة «قلهات»، الواقعة في ولاية صور التابعة لمحافظة جنوب الشرقية في سلطنة عمان، ويقدر عدد سكانها بـ1123 نسمة. واستهدف الفريق أحد المساجد الواقعة في الطريق الجبلي، الذي يربط بعض القرى. وعلى مدار يومين متتاليين قام شباب الفريق بتحويل وهج الشمس ليصبح شعاع لعشرات المصلين. ولم يكتف الفريق بذلك، بل رمم المسجد وأجرى له صيانة، من صبغ وتأثيث وتركيب للنوافذ وصيانة الملاحق. وقد لاقى العمل التطوعي الملهم الذي قام به الفريق تفاعلاً من المواطنين في تلك المنطقة، فمدوا يد العون له، لينجح الفريق في تحويل المبادرة إلى ثقافة مجتمعية.

«وهج» فريق عماني يافع، ذو نظرة مستقبلية، وعى أن العالم اليوم لن يكون كما هو بعد عقد أو عقدين، فالطاقة المتجددة، خصوصاً الشمسية منها، باتت محور اهتمام العديد من الشباب، وأصبحت تشكل أملاً لديهم قبل الحكومات في خفض النفقات، وحماية البيئة، والحفاظ على كوكبنا، لنورثه إلى الأجيال المقبلة.

ويرى الفريق أن توفير الطاقة الكهربائية يعتبر أمراً حيوياً للمناطق الجبلية البعيدة، التي تواجه عوائق عدة، كصعوبة تنفيذ مشروعات البنية التحتية فيها، لكونها مكلفة، وتتطلب كثيراً من الوقت والجهد، وربما العائد الاقتصادي الذي لا يتناسب مع حجم الإنفاق عليها.

«وهج» ليس مجرد اسم لأعضاء الفريق، بل هو عنوان لمعانٍ كثيرة لدى شباب حالم بغد أفضل، فهو اسم يعكس مفهوم الضوء الذي قد يغيب عن جبال وصحارى تفتقد الإنارة الليلية، نتيجة لصعوبة وصول الناس إليها، فما بالك بالعيش فيها، ففي مجتمعنا هناك من يستسلم ويرى المستقبل مستحيلاً، وهناك من يتمسك بالأمل، ويسهم في صناعته، وفريق «وهج» يحلم في حال فوزه بمبادرة صناع الأمل المنضوية تحت مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، بتوسيع نشاطه للوصول إلى أبعد مدى من المناطق النائية، ونشر النور فيها.

أعضاء فريق «وهج» انطلقوا من المبادرة لينشروا مفهوم الحياة العصرية. من المصدر

عثمان يؤسس منظمة باسم زوجته وفاء لذكراها

شهد التاريخ الإنساني العديد من القصص التي تبدأ بفاجعة لشخص وتنتهي بسعادة لكثيرين. في وادي النيل، وتحديداً في السودان الشقيق، لم يكن عشرات الأطفال السودانيين من ذوي الإعاقة قد ولدوا بعد في عام 2004، عندما فقد سامر حسن محمد عثمان زوجته «أميرة»، ليلحق بها بعد أقل من ثلاثة أسابيع ابنهما «محمد»، وكلاهما قضى نتيجة حادث سير أليم وقع في المملكة العربية السعودية.

ومع حجم الألم الذي حملته تلك الحادثة معها في قلب وعقل عثمان، إلا أنها كانت شعاع أمل لعشرات الأطفال في مستقبل لاحق، فقد أراد سامر التعبير عن محبته لزوجته وابنه، الذي كان من ذوي الإعاقة، من خلال مبادرة إنسانية رائعة، فأنشأ في عام 2006 «منظمة أميرة كرار الخيرية للأطفال المعاقين ذهنياً»، ليخلد ذكرى أحبائه، ويسهم في رسم ابتسامة على شفاه عشرات الأسر السودانية التي تعاني متابعة أطفالها من ذوي الإعاقة. قام سامر بتسخير تجربته الشخصية عبر المنتديات الحوارية، ولاحقاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، لدعم غايته النبيلة، ونجح خلال عامين في حشد المؤيدين والداعمين من أفراد ومؤسسات حكومية وأهلية مختلفة، مكنته من تحويل فكرة وحلم إلى حقيقة وواقع ملموس.

قد تظلم الدنيا في عيون البعض بهذا الحجم من الفقد، لكن عثمان آمن بضرورة تحويل الحزن إلى طاقة إيجابية دافعة لخير الناس، وتحويل الفقد المؤلم إلى عطاء يغمر أبناء بلده بالسعادة.

سامر لم يكتفِ بتلك المبادرة، بل أطلق مبادرة أخرى، تهدف إلى توعية المجتمع بضرورة العمل على خفض معدلات حوادث الطرق، لتصبح في يوم من الأيام خالية من دماء ضحايا الموت غير المقصود. واليوم يسعى إلى رفع مستويات الأداء في مبادرتيه، وتمكين قدرات العاملين والمتطوعين فيهما من خلال التعاون مع جهات محلية ودولية معنية بالشأنين.

عندما بدأ سامر مشروعه، كان يرى في جل المراكز العاملة في تهيئة ذوي الإعاقة أن الصفة التجارية غالبة عليها، وأن بعضها يفتقر إلى مقومات أساسية في خدمة الأطفال، وأنهم شريحة مغيبة من المجتمع، بشكل لا يتيح لها فرصة إبراز كوامن طاقاتها، والانخراط في نشاطات الحياة اليومية للمجتمع. واليوم يكرس سامر جل وقته لتنسيق الرؤى بين المراكز المتخصصة بالأطفال من ذوي الإعاقة، وضمان أهلية وقدرة العاملين فيها لتلبية احتياجات مئات الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم نفسي ومعنوي ومادي أكبر بكثير من أقرانهم الأصحاء.

ونجح سامر في وقت قصير بتعزيز اتصاله مع الحكومة السودانية، ممثلة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حيث نفذ بالتعاون مع الوزارة مجموعة من الدورات التدريبية المتخصصة، وورش العمل التي شارك بها العديد من المختصين في الشؤون الإنسانية والمعنيين في التربية.

كان سامر مثالاً ناجحاً لمن يضيء شعلة أمل عوضاً عن أن يلعن الظلام. والمنطقة العربية بحاجة إلى نماذج حضارية تنير الطريق للشباب والأجيال القادمة، وتجعل منهم روافد للخير ومنابع للأمل.

 

عثمان أنشأ منظمة «أميرة كرار الخيرية» عام 2006 ليخلد ذكرى أحبائه. من المصدر

70 متطوعاً يرسلون «بريد الخير» إلى فقراء اليمن

عندما ارتحل محمد أحمد من الكويت إلى اليمن طالباً للعلم، هالته بعض المشاهد في العاصمة صنعاء، بعض الأيتام والأسر المتعففة يأكلون من القمامة. أمر صدمه، ودفعه إلى إطلاق مشروع «بريد الخير» لكفالة الأيتام والأسر الفقيرة.

«بريد الخير» مشروع طلابي طوعي بنظام مؤسسي، حاز ترحيب عمادة كلية الطب في جامعة صنعاء، ورؤساء الأقسام من الأستاذة والطلبة. وهو يهدف إلى كفالة 150 يتيماً و35 أسرة متعففة من صنعاء، عبر توفير حقيبة غذائية شهرية لهم ومصروفات إيجار المنزل، ومصروف شهري يقيهم الحاجة لسؤال الناس.

بالتزامن، أطلق الشاب مشروع الكسب النافع، وهو مشروع تجاري بسيط، تتكسب منه الأسر، وتوفر متطلبات الحياة، كما أنه يرعى مشروعاً يهتم بإعانة المرضى، إذ يوفر الأدوية، وينسق العمليات الجراحية للمحتاجين، إضافة إلى مشروع الأضاحي لتوزيع اللحوم، ومشروع الصدقة الجارية لسقي الماء.

وتكونت لجان المشروعات من 70 متطوعاً من طلاب وطالبات كلية الطب، مقسمين لتنظيم العمل، بحيث يجمعون المبالغ بسندات قبض حسب استمارات الأيتام، ثم يسلمونها للجنة توزيع المساعدات، ومع أنه مشروع تطوعي صغير، إلا أنه أثر إيجاباً في حياة عشرات الأسر.

 

«بريد الخير» يهدف إلى كفالة 150 يتيماً و35 أسرة متعففة من صنعاء. من المصدر

الأكثر مشاركة