صنّاع أمل نموذج لحل تحديات تواجه مجتمعاتهم

نجحت مبادرة «صنّاع الأمل» منذ إطلاقها مطلع مارس الماضي، في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي، إذ تلقت مبادرة «صناع الأمل» حتى اليوم أكثر من 65 ألف قصة أمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشروعات ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم. ومن هذه القصص حكايات تمثل نموذجاً للعطاء الذي يولد من رحم المأساة، وإمكانية تحويل الحزن إلى طاقة إيجابية وتربة خصبة لصناعة الأمل، فوفاة صديق عبدالله الحربي بسبب عدم حصوله على الدم المطلوب أثناء مرضه، فتحت أمامه الباب كي يكون سفيراً للتبرع بالدم والمساهمة بطريقته في إنقاذ أرواح الناس، فيما يحاول منذر القصاص من خلال اختراعاته تسهيل حياة أصحاب الهمم، وألهمت مأساة رائد القباني حين ولادة طفلته «جبريللا» مصابة بالشلل الدماغي، مساعدة ذوي الشلل الدماغي من الأطفال، خصوصاً أولئك الذين يعانون طوابير الانتظار على أبواب المستشفيات الحكومية المكتظة.

وفاة صديق شكّلت لحظة فارقة لصناعة الأمل

عاش عبدالله الحربي، من السعودية، قصة مؤلمة ألهمته لمساعدة الآخرين وإنقاذ حياتهم، كان ذلك في عام 2004، حين فقد الحربي أحد أصدقائه بسبب عدم حصوله على الدم المطلوب أثناء وجوده في المستشفى بسبب نقص فادح في مخزون بنك الدم آنذاك.

بدرت يومها إلى ذهنه فكرة تأسيس لجنة إنسانية تقوم بإعداد حملات لتشجيع المجتمع على التبرع بالدم، كعمل إنساني نبيل يمكن أن يشكل في مواقف عدة عاملاً حاسماً بين الحياة والموت، بالإضافة إلى وضع برامج لتكريم المتبرعين ودعمهم وتحفيزهم وإيجاد أماكن للتبرع خارج نطاق المستشفيات كالمجمعات التجارية. ووجد الحربي ضالته في عام 2012 من خلال التعاون مع «إيثار»، وهي جمعية سعودية لتنشيط التبرع بالدم بالمنطقة الشرقية، حيث شكلت الجمعية لجنة متخصصة تُعنى بشؤون التبرع بالدم، وذلك بعد أخذ الموافقة من وزارة الصحة السعودية.

تسلم الحربي رئاسة لجنـة التبرع بالدم في «إيثار»، ومنذ ذلك الحين تُوِّجت جهوده وجهود الجمعية بتنفيذ مبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى السعودية حيث افتتحت «إيثار» أول فرع لمركز التبرع بالدم في مجمع الراشد بالمنطقة الشرقية، ومنذ افتتاح المركز بلغ عدد المتبرعين بالدم 5521 متبرعاً.

وقبل ذلك التاريخ، وتحديداً في عام 2009، تم تكريم الحربي من قبل المغفور له بإذن الله الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، بحصوله على ميدالية الاستحقاق نظراً لجهوده خلال سنوات من العطاء والتطوع وتبرعه بالدم 20 مرة.

يرى الحربي أن الحاجة إلى الدم لا يمكن أن تنقطع، وتأمينه بكميات كافية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق التبرع، لذا من الضروري تحفيز أفراد المجتمع على التبرع، لافتاً: «لقد أعددت برنامجاً وخطة عمل لهذه المهمـة، تنطلق في الأساس من تعريف مختلف أفراد وشرائح المجتمع بأهمية التبرع بالدم والعمل على نشر ثقافة التبرع».

حكاية الحربي تمثل نموذجاً للعطاء الذي يولد من رحم المأساة، وإمكانية تحويل الحزن إلى طاقة إيجابية وتربة خصبة لصناعة الأمل.

عبدالله الحربي سفير التبرع بالدم الذي يسهم في إنقاذ حياة الناس. من المصدر

سائق أجرة طوّر عشرات الاختراعات لتسهيل حياة المحتاجين

منذر القصاص، شاب فلسطيني، لم تمنعه ظروفه المعيشية الصعبة من العطاء والإبداع والتفكير بالآخرين، إلى جانب عمله كسائق أجرة في قطاع غزة بفلسطين، فإن منذر معروف في محيطه كمخترع طموح، يحاول من خلال اختراعاته التخفيف من معاناة الشباب ذوي الإعاقات والعاجزين، لم يتمكن منذر من استكمال دراساته في كلية الهندسة، لكنه ابتكر العديد من الاختراعات.

لعلّ أكثر ما كان يؤلم منذر هو رؤيته أصحاب الهمم غير قادرين على القيام بأبسط الأمور الحياتية، كتقليب صفحة كتاب، أو تغيير القنوات التلفزيونية، أو تناول الطعام بصورة طبيعية، عندها راح يفكر بأفضل طريقة لمساعدتهم، فما كان منه إلا أن حوَّل شغفه وهوايته بالإلكترونيات إلى اختراعات طبية تساعد بعض المرضى والعاجزين على ممارسة حياتهم بأسلوب ميسر.

يقول منذر إن أكبر تحدٍ أمام أصحاب الهمم هو عدم توفر الأجهزة المناسبة لهم في السوق المحلية، خصوصاً أن كل شخص معاق بحاجة لنوع خاص من الأجهزة يُصمَّم له ويخدم حاجته.

ويحاول منذر من خلال اختراعاته تسهيل حياة أصحاب الهمم، بحيث يعتمدون في قضاء أمورهم على أنفسهم بدلاً من الاعتماد على الآخرين لمساعدتهم.

من أوائل الاختراعات التي طورها منذر جهاز يساعد أصحاب الهمم على تقليب صفحات الكتب أوتوماتيكياً، أطلق عليه اسم «منذر القارئ». كما اخترع جهازاً آخر يُعرف باسم «الإسراء للصم» يساعد الأصم على التنبه لدخول الأشخاص إلى منزله أو حدوث أي أمر طارئ، وغيرها من الاخترعات.

منذر القصاص يتطلع إلى مساعدة أكبر عدد من ذوي الإعاقات والعاجزين. من المصدر

«جبريللا» شعاع أمل لعشرات الأسر المصرية

لم يكن رائد القباني، من مصر، يعرف أنه على موعد مع مأساة سوف تقلب حياته تماماً، كان ذلك قبل 13 عاماً حين حدث خطأ طبي أثناء ولادة طفلته «جبريللا»، ما تسبب في إصابتها بالشلل الدماغي، وهو مرض يصيب عضلات الجسم الحركية، وتشمل الأعراض خللاً في القيام بالحركات الإرادية وتنسيقها، حيث يصيب المرض الدماغ ما قبل الولادة، أو أثناء الولادة، أو بعدها.

«جبريللا» هي الفرحة الأولى لرائد القباني، لكن حالتها كانت ميؤوساً منها على صعيد العلاج. وبعد مرور تسع سنوات على ولادتها، ألهمت الطفلة والدها لمساعدة ذوي الشلل الدماغي من الأطفال، خصوصاً أولئك الذين يعانون طوابير الانتظار على أبواب المستشفيات الحكومية المكتظة، على أملٍ بشفاء بعيد المنال ودواء لا يستطيع العديد من الفقراء تحمل تكاليفه. تولّدت لدى رائد فكرة تأسيس مؤسسة متخصصة في العلاج الطبيعي للشلل الدماغي، فأطلق «مؤسسة جبريللا لعلاج أطفال الشلل الدماغي»، التي تستقبل أكبر عدد ممكن من حالات الشلل الدماغي لأطفال مصر بغض النظر عن الجنس والديانة والعرق.

وتقدم المؤسسة العلاج الطبيعي بالمجان لغير القادرين أو بأسعار رمزية للميسورين. وتعمل على إكساب الأطفال المهارات الحياتية ومنحهم الثقة بالذات ليتم لاحقاً دمج الحالات الأقل تأثراً بالمرض في المجتمع. كما تقوم المؤسسة بنشر الوعي والثقافة المجتمعية بطبيعة المرض وكيفية تعامل الآباء والأمهات معه، إلى جانب مساعدة المرضى في الحصول على فرص تعليم وعمل مناسبة. ومنذ إطلاقها، وضعت المؤسسة هدفاً يتمثّل في مساعدة 20 حالة، وانتهى عام 2016 بمساعدة 50 حالة.

رائد القباني شهد كيف أغلقت الدنيا الباب أمامه لكنه فتح أبواب أمل لعشرات الأسر المصرية. من المصدر

الأكثر مشاركة