المستشار الأسري

تقول قارئة:

«أعاني من شخصيتي المتسرعة في التسامح، فما ان أعلن تسامحي حتى تظهر مواقف الآخرين السلبية مطبوعة في أعماقي، فكيف أعالج نفسي، وأزيل الألم الذي يزعجني؟».

يجيب المستشار الأسري عيسى المسكري:

اكتشفت من خلال الاستشارات النفسية والأسرية نظرية بالغة الأهمية، توضح الحالة التي تندرج تحتها هذه المشكلة، وهي نظرية التسامح المعلن منه والخفي، ولها مستويات متفاوتة.

المستوى الأول هو التسامح الخارجي، شكلاً أو لفظاً أو سلوكاً، يصرح صاحبه بالتسامح، فيظهر عكس ما يبطن، ويبقى الموقف السلبي محفوظاً داخلياً، وهو نوع من التهرب في التعامل، أو الابتعاد عن الاحتكاك، أو البحث عن مخرج بلا خلاف أو نزاع، ويُعد نوعاً من التخدير الذاتي بالتعامل مع الطرف الآخر المشاحن بصورة طبيعية، شكلاً لا جوهراً، وهكذا يبقى الزعل منقوشاً داخلياً أو محفوظاً في مكان ما.

المستوى الثاني هو التسامح المؤقت داخلياً، يشبه ملفاً محذوفاً، لكنه محفوظ في سلة المحذوفات، يستطيع صاحبه استرجاعه متى ما حدث موقف سلبي مشابه.

المستوى الثالث يشبه المستوى الثاني، وهو يقوم بحذف مجموعة ملفات سلبية حدثت مع شخص ما، وله قدرة على كظم الغيظ، وكبت المواقف السلبية وعدم إظهارها، وتبقى الملفات السلبية محفوظة بصورة تراكمية، تتحول في لحظة ما إلى حالة انفجار، بتذكير الطرف الآخر بالمواقف السلبية كلها بصورة متسلسلة.

المستوى الرابع هو التسامح الداخلي، يقوم صاحبه بإزالة الموقف السلبي نهائياً ومسحه كلياً، وينسى سريعاً ما حدث بينه وبين الطرف الثاني من نزاع وخلاف.

وهذا الصنف من أكثر الناس سلامة للصدر، وراحة للبال، لكنه لا يظهر هذا التسامح ظاهرياً، هو عكس النوع الأول، ويبقى الطرف المخطئ معتقداً أن الطرف الأول لن يسامحه إلا بالمواجهة أو المصارحة. المستوى الأخير يجمع بين النوع الأول والنوع الرابع تسامحاً داخلياً وخارجياً، وأفضل من هذا الصنف الأخير هو الذي يسامح داخلياً وخارجياً، ويترجم هذا التسامح بالإحسان، وتقديم المعروف، وإظهار الحب، ومد يد العون.

قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۞وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(134) آل عمران.

فالعفو أفضل من التسامح، وهو ألا يبقى شيء في القلب أو الصدر، حاضراً ومستقبلاً، والإحسان هو أن تترجم العفو بالبر والمعروف والعمل.

المستشار الأسري

الأكثر مشاركة