محمد بن كردوس العامري: زايــد عـاش بين الناس ومعهم ولم يحكمهم من أعلى
قال عضو المجلس الوطني الاتحادي، اللواء المتقاعد محمد بن سالم بن كردوس العامري، إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وضع أسساً متينة وسليمة للدولة، وعندما يكون التأسيس قوياً، يصح البنيان ويظل قوياً متماسكاً في وجه التحديات، لافتاً إلى أن الوالد المؤسس اهتم بمختلف مكونات الدولة؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وغيرها، فلم يترك مجالاً إلا والتفت إليه واهتم به. وأوضح أن ما يميز المغفور له الشيخ زايد أنه عندما تولى الحكم في أبوظبي، تولاه وهو في وسط الناس، لم يحكمهم من أعلى، ولم يكن غريباً عنهم، بل عاش بينهم، واختبر معهم الحياة البسيطة، وتدرج في الأمور معهم حتى وصلت دولة الإمارات إلى ما وصلت إليه بفضل من الله، وحتى صارت دولة يضرب بها المثل في التطور، وتسعى كثير من الدول لتحذو حذوها، مؤكداً أن أجيالاً بعد أجيال ستواصل السير على نهج زايد في طريق الخير والسلام، ومد يد العون للجميع.
محمد بن كردوس العامري: - «زايد كان العين التي لا تنام في سبيل بناء الوطن». - «التقيت أشخاصاً من دول مختلفة كلهم يتحدثون بحب عن زايد». - «من حسن حظي أني عرفت الشيخ زايد وتعاملت معه عن قرب». |
بالقرب من الوالد
وأشار العامري لـ«الإمارات اليوم» إلى أن بداية علاقته بالشيخ زايد تعود إلى فترة السبعينات، عندما كان طالباً في المرحلة الابتدائية، مضيفاً: «كان أول لقاء مباشر لي مع الشيخ زايد، رحمه الله، حين كنت أدرس في مدرسة زايد الكبير في العين، وكان هناك احتفال كبير في المدرسة، وكان من عادة الشيخ زايد في بداية تأسيس الدولة أن يزور المدارس ويحضر احتفالاتها، ومن حسن حظي أنه تم تكليفي بافتتاح الاحتفال بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم، وعقب ذلك ناداني الشيخ زايد، وشد على يدي، وقال: (نبغى عيالنا كلهم بهذا المستوى)، تلك العبارة حُفرت في نفسي، وظلت دافعاً لي للنجاح والتفوق، لأنها أتت من زعيم له مكانة كبيرة لدى الجميع، ويكن له التقدير والاحترام».
وذكر أن علاقته بالشيخ زايد لم تتوقف عند هذا الموقف فقط؛ فقد كان من حسن حظه أن عرف الشيخ زايد وتعامل معه عن قرب بعد أن التحق بالعمل في الحرس الأميري، واستمر في هذا العمل حتى حصل على رتبة نقيب. وقال: «أسعدني الحظ مرة أخرى بالعمل مع الشيخ زايد عندما انتقلت للعمل في سلاح الهندسة بالقوات المسلحة الإماراتية، حيث كان، رحمه الله، يكلف المؤسسة العسكرية بتنفيذ مشروعات تسهم في خدمة وبناء الدولة، وكنت وقتها قائد سلاح الهندسة، وفي تلك الفترة شاركنا في إنجاز العديد من المشروعات بتوجيهات من الشيخ زايد، طيب الله ثراه، منها مطار جزيرة صير بني ياس، والطريق الدائري للصير، وبناء مطارات في أماكن مختلفة، ومدرجات للطائرات، وسدود لحجز وتجميع مياه الأمطار للاستفادة منها، وكذلك نفذنا مشروعات في جزيرة السلمية في المنطقة الغربية وفي الجرف، إلى جانب تنفيذ مشروع بيئي على طريق العين، وأيضاً أمر الشيخ زايد بتسوية الأراضي في أكثر من موقع في منطقة الجرف لبناء مساكن للناس، إضافة إلى تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية، من خلال سلاح الهندسة وبعض الشركات المدنية والمؤسسات الموجودة في البلد»، واصفاً الفترة التي عمل فيها بالقرب من الشيخ زايد بأنها من أفضل فترات حياته وعمله، لأنه كان خلالها بجوار الأب والمؤسس لهذه البلد الطيب، ومازال يحتفظ بالعديد من الذكريات الغالية التي يعتز بها.
عين لا تنام
وعن أسلوب الشيخ زايد في العمل، أفاد العامري بأن مؤسس الدولة، طيب الله ثراه، كان بمثابة العين التي لا تنام في سبيل بناء الوطن، فكان يوجد في مواقع العمل من الفجر، ويشرف بنفسه على كل شيء، ويراقب مراحل التنفيذ المختلفة منذ البداية، فكثيراً ما يضع بصماته على التصميمات الهندسية للمشروعات قبل تنفيذها، مشيراً إلى أن الشيخ زايد كان يضع الإنسان على أولوية اهتماماته، ولذلك اهتم ببناء البيوت الشعبية والمناطق السكنية، وتوفير كل الخدمات بها، مثل المستشفى أو العيادة والمدرسة، وأسواق يستفيد منها السكان، وحدائق للترفيه. وعلى المستوى الشخصي؛ أشار بن كردوس العامري إلى أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، كان بمثابة مدرسة بحكمته وأخلاقه وتوجيهاته لكل المحيطين به، سواء في التربية أو التعليم أو الأخلاق والعادات والتقاليد، وأضاف: «عندما نجلس معه في البرزة، كنا نستخلص العديد من الدروس والحكم منه، لنعود إلى أولادنا نعلمهم ما سمعنا وتعلمنا من الشيخ زايد، كذلك كان الشيخ زايد يمنح المحيطين به شعوراً بالأمان والحنان والحكمة، ويتصرف مع الجميع بطبيعته دون تصنّع».
زايد الخير
وذكر العامري، الذي رافق الشيخ زايد في الكثير من السفريات التي كان يقوم بها، أن الوالد المؤسس لم يكن يذهب إلى بلد إلا ويترك لمسات تفيد أهل البلد، مثل مشروعاته الإنسانية والخيرية في الكثير من الدول، مثل مصر والمغرب والجزائر وتونس وباكستان والهند، وفي مختلف دول العالم، مشيراً إلى أن الشيخ زايد اعتاد في زياراته للدول المختلفة ليس فقط مقابلة الرؤساء، بل كان يبحث بطريقته عما يمكن أن يفيد أهل البلد والمشروعات التي يحتاجونها، ويحرص بقدر الإمكان على الإشراف على تلك المشروعات بنفسه، ومتابعتها حتى خلال وجوده في الإمارات. وقال: «كنا في زيارة للصين، وهناك وجدنا بصمات الشيخ زايد في مشروعات مختلفة، وتحدث الصينيون عن مكانته، رحمه الله، الكبيرة لديهم، خصوصاً أنه رفض مقاطعة بلدهم عندما قاطعتهم الدول، وعند وقوع أزمة أو كارثة كانت الطائرات الإماراتية أول من يهبط بالمساعدات، مشيرين إلى أن هذا النهج مازالت الإمارات تتبعه»، لافتاً إلى أنه يلتقي بأشخاص من دول مختلفة، وكلهم يتحدثون بحب وتقدير عن الشيخ زايد، وارتباط رؤيته بالخير والعطاء والاستقرار للجميع.
الصدق والإخلاص
قال محمد بن كردوس العامري إن ما تعلمه من الشيخ زايد لا يعد ولا يحصى، مضيفاً: «تعلمت منه الصدق والإخلاص والأمانة والصبر، حيث كان، رحمه الله، صبوراً لدرجة يُضرب بها المثل، وقد بنى هذا الوطن بالصبر؛ صبره عندما لم يكن هناك شيء، وصبره على التحديات التي واجهته، وعلى الأرض حتى أنبتت، وصبره على قلة الموارد وضعف الإمكانات وقسوة الحياة، إلى جانب صبره الطويل من أجل تحقيق حلم الاتحاد، سواء صبر على اختلاف وجهات النظر، أو على الصعوبات التي قابلها، والكثير من الأمور الجانبية التي تجاوزها بصبر وحكمة وشجاعة، فمثل هذا الصبر لم أجده إلا فيه».
سياسة حكيمة
قال محمد بن كردوس العامري إن سياسة الشيخ زايد الحكيمة كانت نابعة من عروبته ودينه الإسلامي وصدقه ومصداقيته مع الناس، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ومد يد العون للجميع، وهو ما جعله يكسب ود العالم، ويرسخ نجاح دولة الإمارات.
وأشار إلى أن ما تعلمه من الشيخ زايد لا يعد ولا يحصى، وقال: «أثناء عملي في سلاح الهندسة، كان الشيخ زايد يوصيني إذا أردنا أن نأخذ من التربة بألا يزيد ذلك على مقدار شبر، أي أقل من 30 سم، حتى لا نأخذ وجه الأرض ونتركها بوراً لا تصلح لشيء، وحتى يمكنها أن تجدد نفسها».