الإمارات تحوّل «التسامح» من قيمة مجتمعية إلى عمل مؤسسي
رسّخ إعلان صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عام 2019 عاماً للتسامح، الإمارات عاصمة عالمية للتسامح، يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، تظللهم مشاعر التسامح والمحبة، مع تعدّد الديانات والأعراق واللغات.
وجاء توجيه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لـ«عام التسامح»، لترسيخ قيم التسامح في المجتمع، وتعميم النموذج الإماراتي في التسامح عالمياً.
وأكد سموّه ذلك بالقول: «نريد لدولة الإمارات أن تكون المرجع العالمي الرئيس في ثقافة التسامح وسياساته وقوانينه وممارساته»، مضيفاً أن «التسامح يزيدنا قوة ومنعة، ويرسّخ مجتمعاً إماراتياً عالمياً وإنسانياً».
ووجّه سموّه في نوفمبر 2017 بتسمية أجمل جسر مشاة في دبي على القناة المائية الجديدة بـ«جسر التسامح»، لإبراز قيمة التسامح في الدولة. وقبل ذلك، كانت الإمارات الدولة الوحيدة في العالم التي تعيّن وزيراً للتسامح. وكان سموّه أطلق جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمية، التي تنطلق من التعاليم الإسلامية، وتتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال في 2016. كما أطلق سموّه مبادرة عالمية للتسامح، تشمل تكريم رموز التسامح العالمي في مجالات الفكر الإنساني، والإبداع الأدبي والفنون الجمالية، مع تأسيس «جائزة محمد بن راشد للتسامح»، لدعم الإنتاجات الفكرية والثقافية والإعلامية المتعلقة بترسيخ قيم التسامح والانفتاح على الآخر في العالم العربي، ووجّه بإنشاء «المعهد الدولي للتسامح»، أول معهد في العالم العربي يعمل على تقديم المشورة في مجال السياسات التي ترسّخ قيم التسامح بين الشعوب، وينشر الدراسات والتقارير المتعلقة بموضوع التسامح. كما وجّه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإطلاق اسم السيدة مريم أم عيسى (عليهما السلام) على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقه المشرف، ترسيخاً للصلات الإنسانية بين أتباع الديانات، التي حثنا عليها ديننا الحنيف، والقواسم المشتركة بين الأديان السماوية. وتحتل الإمارات المركز الأول إقليمياً في مؤشر التسامح العالمي، الذي يصدره المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا، لتبنيها سياسة تقوم على الانفتاح تجاه الشعوب الأخرى، وامتلاكها مجتمعاً يركز على القيم التي تشترك فيها الأديان والثقافات المختلفة، بما يجعل إعلان صاحب السموّ رئيس الدولة، عام 2019 عاماً للتسامح، متسقاً مع الأهمية التي توليها الدولة لهذه القيمة، التي تكفل التعايش السلمي في المجتمعات، وتؤطر لعلاقات الحب والمودة بين شتى الشعوب، إذ يقرّ الإعلان التسامح عملاً مؤسسياً مستداماً، عبر مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة، بما تنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع بصورة عامة.
ويمثل «عام التسامح» امتداداً لـ«عام زايد»، كونه يحمل أسمى القيم التي عمل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على ترسيخها لدى أبناء الإمارات. وكانت الإمارات سبّاقة في مشاركة دول العالم الجهود لنشر قيمة التسامح، كإسهامها في العيد الـ50 لمنظمة (اليونسكو) 16 نوفمبر 1995، في اعتماد إعلان مبادئ بشأن التسامح تؤكد أنه لا يعني التساهل أو عدم الاكتراث، وإنما تقدير التنوّع في ثقافات العالم، واحترام أشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان في كل بقعة منه. وبذلك، فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية، وبالحريات الأساسية للآخرين، وبما أن الناس متنوّعون بطبيعتهم، فالتسامح وحده قادر على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم. وتعدّ الإمارات شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرّف والتمييز، وأصبحت عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب، فقد أصدر صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في عام 2015، مرسوماً بشأن مكافحة التمييز والكراهية، يهدف إلى إثراء ثقافة التسامح، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، (عرقية، أو دينية، أو ثقافية). واستضافت دبي في نوفمبر الماضي القمة العالمية للتسامح، تحت شعار «تحقيق المنفعة الكاملة من التنوّع والتعدّدية»، بمشاركة أكثر من 1500 شخصية رفيعة المستوى، منها قادة حكومات، وخبراء سلام، وأكاديميون، ومتخصصون، ومؤثرون اجتماعيون، ومبعوثون من المجتمع الدبلوماسي الدولي والجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية. وتصنّف الأمم المتحدة التسامح كقيمة معنوية، لأنه يجسّد القدرة على احترام التنوّع والعيش والسماح للآخرين بالعيش، والقدرة على التمسك بالقناعات الشخصية مع قبول تمسك الآخرين بقناعاتهم، والتمتع بالحقوق والحريات الشخصية من دون التعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم. كما يشكل الدعامة الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما يؤدي التعصب إلى انتهاك حقوق الإنسان ونشوب العنف أو الصراع المسلح.
من أقوال زايد:
«إن نهج الإسلام هو التعامل مع كل شخص كإنسان، بغض النظر عن عقيدته أو عرقه»
محاور التسامح
أكدت الحكومة أن «عام التسامح» سيركز على محاور تسعى إلى إرساء قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب، من خلال:
التسامح في المجتمع، والتسامح في التعليم، والتسامح المؤسسي، والتسامح الثقافي، والتسامح في الإعلام.
التسامح يقتضي تقدير التنوّع الثقافي
اعتمدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 16 نوفمبر 1995، إعلان المبادئ الخاصة بالتسامح، الذي شدّد على مسؤوليات الدول الأعضاء في تنمية وتشجيع احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية بين الناس كافة، من دون أي تمييز قائم على العنصر أو الجنس أو اللغة أو الأصل الوطني أو الدين، أو أي تمييز بسبب عجز أو عوق، وفي مكافحة اللاتسامح.
وأكد اتخاذ كل التدابير الإيجابية اللازمة لتعزيز التسامح في مجتمعاتنا، لأن التسامح ليس مبدأ يعتز به فحسب، لكنه أيضاً يعدّ ضرورياً للسلام والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب.
ونصّت مادته الأولى على أن «التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزّز بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضاً، وهو فضيلة تيسّر قيام السلام، وتسهم في إحلاله محل ثقافة الحرب».
وأشار الإعلان إلى أن التسامح لا يعني التنازل أو التساهل، بل هو اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالمياً، ولا يجوز الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية. وشدّد على أن ممارسة التسامح لا تتعارض مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي، أو تخلّي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم، كما أن التسامح يعني الإقرار بأن البشر مختلفون بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.
ونصّت المادة الثانية على أن «التسامح على مستوى الدولة يقتضي ضمان العدل، وعدم التحيز في التشريعات، وفي إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية، ويقتضي أيضاً إتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص دون أي تمييز، فكل استبعاد أو تهميش إنما يؤدي إلى الإحباط والعدوانية والتعصب». وأكدت المادة الثالثة من الإعلان أن «التسامح ضروري بين الأفراد وعلى صعيد الأسرة والمجتمع المحلي، وأن جهود تعزيز التسامح، وتكوين المواقف القائمة على الانفتاح وإصغاء البعض للبعض والتضامن، ينبغي أن تبذل في المدارس والجامعات، وعن طريق التعليم غير النظامي، وفي المنزل وفي مواقع العمل، كما بإمكان وسائل الإعلام والاتصال أن تضطلع بدور بناء في تيسير التحاور والنقاش بصورة حرة ومفتوحة، وفي نشر قيم التسامح، وإبراز مخاطر اللامبالاة تجاه ظهور الجماعات والأيديولوجيات غير المتسامحة».
واعتبر أن التعليم هو أنجع الوسائل لمنع اللاتسامح، وأول خطوة في مجال التسامح، هي تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها، وذلك لكي تحترم هذه الحقوق والحريات، فضلاً عن تعزيز عزمهم على حماية حقوق وحريات الآخرين..