«المستقبل»: الصراعات المسلحة والاحتقانات الداخلية زادت من أهمية «التسامح»
أكد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي أن هناك اعتبارات ملحة تزيد من الاهتمام بدعوات التسامح في المنطقة العربية، منها اتساع رقعة الصراعات المسلحة، التي برزت جلياً في المنطقة بعد تحولات عام 2011، ومع اشتعال النزاعات حدث تجاهل للحياة البشرية، الأمر الذي تطلب جهوداً لتعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، إذ أطلقت الأمم المتحدة حملة «معاً لتعزيز التسامح»، وهي حملة عالمية تهدف إلى الحد من المواقف السلبية تجاه اللاجئين والمهاجرين، وتعزيز التكافل الاجتماعي بين الدول والمجتمعات المضيفة واللاجئين والمهاجرين على حد سواء.
وأضاف في تقرير أصدره أخيراً أن من هذه الاعتبارات تزايد الاحتقانات الداخلية، نتيجة تعثر إدارة التعددية المذهبية والدينية في الدول العربية ذات الانقسامات المجتمعية، فما تمر به المنطقة من أزمات يستدعي إبراز أهمية السلام ضد الحرب، والتسامح في مواجهة التطرف، والتفاهم في مواجهة التنازع، مؤكداً أن موجة الصراعات الراهنة تعبر عن حاجز الكراهية بين فئات وطوائف مختلفة داخل الدولة العربية الواحدة.
وأفاد بأن من شأن الاهتمام بالتسامح تعزيز قدرة التصدي لنزعات التطرف التي تنميها تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة، تستخدم عباءة الدين لترويج أفكارها المدمرة، وتأسيس جسور بين الجنسيات المقيمة على أراضي الدولة، وهو ما ينطبق جلياً على الدولة التي تحتضن نحو 200 جنسية، إذ تشير القيادات بالدولة إلى عدم السماح بالكراهية فيها، وعدم القبول بأي شكل من أشكال التمييز بين الأشخاص المقيمين عليها. فثقافة التسامح ليست وليدة اليوم في مجتمع الإمارات، بل هي ثقافة سائدة تعكس ترسيخ قيم التعددية، والقبول بالآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً.
ولفت إلى أن جائزة محمد بن راشد للسلام العالمية تنطلق من التعاليم الإسلامية السمحة، وتتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال، فضلاً عن دورها في تأسيس قنوات للتواصل مع الشعوب كافة، والدخول في شراكات مع المؤسسات الثقافية المعنية في العالم لنشر مبادئ الوئام وقيم التسامح بين الأجيال، وعقد المؤتمرات الدولية، تحقيقاً للسلام العالمي.
ونوه بالنموذج الإماراتي لتعزيز فكر وقيم وممارسات ومؤسسات التسامح، على نحو ما عكسه احتضان مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وإطلاق يوم وطني للتسامح، وتخصيص جوائز عالمية للسلام والتسامح، وإقرار قوانين لمكافحة التمييز والكراهية، واستحداث وزارة للتسامح، واستضافة مركز هداية لمكافحة التطرف العنيف، ومركز صواب، وإطلاق المعهد الدولي للتسامح الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة العربية.
كما نوه باهتمام دول عربية أخرى، مثل السعودية، ما انعكس في ما يقوم به مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من تنظيم مؤتمرات خاصة بحوار الثقافات. وهناك أيضاً أدوار لمؤسسات اقتصادية داعمة للتسامح، مثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وجمعية الهلال الأحمر الكويتية، وموسم أصيلة الثقافي في المملكة المغربية، ولذا، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تدوينة نشرها على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، في 15 من نوفمبر الماضي، إن «أهم ما تحتاجه المنطقة العربية هو تسامح شعوبها وأطيافها الدينية والثقافية مع نفسها».
وقال المركز إن «عام التسامح» سيشهد التركيز على خمسة محاور، أولها: تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب لدى الأجيال الجديدة، وثانيها: ترسيخ مكانة الإمارات عاصمة عالمية للتسامح من خلال مجموعة من المبادرات والمشروعات الكبرى في هذا الإطار، منها الإسهامات البحثية والدراسات الاجتماعية والثقافية المتخصصة في مجال التسامح وحوار الثقافات، وثالثها: التسامح الثقافي عبر المبادرات المجتمعية، ورابعها: طرح تشريعات وسياسات تهدف إلى مأسسة قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي. وخامسها: إطلاق مبادرات إعلامية هادفة لتعزيز التسامح.
التصدي لنزعات التطرف
أفاد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي بأن الاهتمام بتحسين وترسيخ واقع التسامح، بغض النظر عن الدين والجنس والتراث والثقافة، في الدول العربية، تصاعد خلال الآونة الأخيرة، من جانب وزارات الأوقاف والمؤسسات الدينية والهيئات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الحوار، فضلاً عن منظمات إقليمية ومؤسسات دولية، في صورة برامج ومبادرات ومؤتمرات وملتقيات ومجالس، على نحو يقود في نهاية المطاف إلى بناء وتأهيل قيادات وكوادر عربية شابة تؤمن بقيم التسامح والانفتاح والحوار بين الأديان والثقافات ونبذ الكراهية، وتعمل على إيجاد حلول مستدامة للسلام والتعايش السلمي، لاسيما في ظل دواعٍ ملحة تتعامل مع اتساع رقعة الصراعات المسلحة، وتزايد الاحتقانات الداخلية، وتعزيز قدرة التصدي لنزعات التطرف العاكسة لموجة الحقد والكراهية التي تسود المنطقة، وتأسيس جسور بين الجنسيات المقيمة على أراضي الدولة، وتكوين قنوات مؤسسية للتواصل مع العالم الخارجي.