5 دقائق
أم الدّويس والمؤامرة اليهودية العالمية
منذ 30 عاماً وأنا أسمع هذه العبارة في المدرسة والحي، في المدرسة كان بعض المعلمين يزبد ويرعد لأننا نحن الأطفال آنذاك لا نفعل شيئاً للتصدي للمؤامرة اليهودية العالمية.
كنا آنذاك في آخر الثمانينات نعرف من هم اليهود بعكس جيل اليوم الذي لا يعرف حتى موقع مصر على الخريطة، ولو سألته عن معنى كلمة وزير سيحك رأسه ثم يقول لك ربما هي مرتبطة بالإزار!
كنا نقرأ كثيراً دون إنترنت وموسوعات الشعوب والأديان تملأ بيوتنا، وعند نهاية عقد التسعينات دخلنا الكلية وخالطنا المدرسين الأجانب وكانوا سبباً في انفتاحنا العقلي على إنتاجات حضارتهم. من إنتاجات تلك الحضارات كانت الرواية والسينما وأعمدة الأدب والفن في الغرب كانوا يهوداً.
أصبنا بصدمة لأن الصورة النمطية مختلفة عن الجديدة واستوعبنا الصدمة ومضينا. تخرجنا ودخلنا سوق العمل وبعد 20 عاماً استوعبنا أن ملوك الإعلام هم اليهود، وكذلك هم ملوك الاقتصاد والمالية تخصصهم منذ ما قبل الإسلام.
دخلنا عقد الـ«واتس أب» ومازالت العبارة كما هي: المؤامرة اليهودية للسيطرة على العالم! لم يتغير شيء من تفكيرنا! هذه المرة تأتيك قصة المؤامرة اليهودية على الـ«واتس أب» من صديق!
من يصدق تلك المؤامرة هو نفسه الذي يصدق الخرافات والأساطير، هو نفسه الذي لم يقرأ ويطلع طوال الـ30 عاماً الماضية، هو نفسه حامل بكالوريوس اقتصاد أو لم يكمل دراسته، الشهادة لا علاقة لها بطريقة التفكير وليست مقياساً على اطلاع الشخص.
ازدهرت الإمارات وتخلفت دول عربية، تطوّر اليهود وتخلف العرب، تقدمت كوريا الجنوبية وتراجعت كوريا الشمالية، ليس للمؤامرة علاقة. كل من تطور خطط لتطوره وازدهاره وتسلح بالعلم والإرادة الحديدية، وكل من اختار طريق التخلف والتراجع فعل ذلك بمحض إرادته وليس لليهود علاقة في الأمر. اليهود مشغولون بأنفسهم لا يستطيعون منعنا من التطور!
اليهود أقلية وإنجازاتهم كثيرة، والعرب أكثرية ولا توجد لديهم إنجازات تذكر إلا من رحم ربي! السؤال: هل منعت الأقلية اليهودية الأكثرية العربية من تحقيق الإنجازات؟ من يقول نعم فهو يؤمن بالأساطير والجنية أم الدّويس التي تأتي لتأخذ اللحم الذي يتركه لها ذلك «الرجل» أمام عتبة الباب ليلاً!
الذي يقول نعم فقد اعتزل التفكير وتبنّى الخرافة لأن ذلك مستحيل ولو كان ذلك صحيحاً لمنع اليهود أوروبا من التطور. ولكن العقل العربي اختار تفكير القطيع فقرّر لوم المؤامرة اليهودية للسيطرة على العالم، وهو الأسلوب الذي نستخدمه لنصرف أذهاننا عن السؤال الأساسي: وهو لماذا تخلفنا وتقدم اليهود؟ والسبب أن تعطيل العقل أسهل لدينا من العمل الجاد والتسلح بالعلم.
بالعربي: بعد 30 عاماً من تركه اللحم عند عتبة الباب اكتشف ذلك «الرجل» أن قططاً ضالة كانت تأكله بعد أن ظل يوهم نفسه أنه يتصدق على الجن. لم يغيّر ذلك شيئاً من تفكيره لأن المؤامرة اليهودية العالمية منعت الصدقة عن الجن وبطريقة ما أكلت القطط اللحم! هكذا نحن، عطل عقلك وراوح مكانك ودع العالم يتقدم!
أصبنا بصدمة لأن الصورة النمطية مختلفة عن الجديدة واستوعبنا الصدمة ومضينا.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news