مجلس محمد بن زايد : منظّرو الجماعات المتطرفة جذبوا الشباب للحروب بـ"الهجرة المُحرّفة"
استضاف مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقصر البطين ، مساء اليوم، ثاني محاضرات مجلس سموه الرمضانية تحت عنوان " توظيف النصوص الدينية لدى الجماعات المتطرفة"، والتي ألقاها كل من مدير إدارة الوعظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، عبد الرحمن سعيد علي الشامسي، وكبير الوعاظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، وعضو في لجنة إعداد برامج الوعظ، ماريا محمد علي الهطالي.
شهد المحاضرة سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، وسمو الشيخ الدكتور سلطان بن خليفة آل نهيان، مستشار صاحب السمو رئيس الدولة، ووزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، والشيخ خليفة بن طحنون بن محمد آل نهيان، المدير التنفيذي لمكتب شؤون أسر الشهداء في ديوان ولي العهد في أبوظبي، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين والشخصيات العامة وأعضاء السلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى الشيخ عبدالله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي. رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والعلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة.
بدأت المحاضرة بالحديث عن مفهوم الهجرة وكيفية تحريفه من قبل الجماعات المتطرفة، إذ قالت ماريا الهطالي :"لقد قامت الجماعات المتطرفة منذ القرون الأولى بتأويل النصوص الدينية المقدسة من القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وتوظيفها وفق ما يخدم أجندتهم وأهدافهم السياسية، فعملوا على بث الخطابات الدينية السياسية التي تتسم بالعاطفة المفعمة بالإثارة، متجاهلين بذلك لغة العقل والمنطق، والمنهج العلمي القويم، الذي ورثه النبي للعلماء العدول من بعده، لينفوا عن هذا الدين العظيم ومفاهيمه السمحة تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وأضافت :"قام منظرو هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة بتحريف المفاهيم القرآنية والنبوية، من خلال عزل النصوص الشرعية عن مدلولها الكلي وسياقها التاريخي والعلمي، فقاموا بإهمال أسباب نزول الآيات، وورود الأحاديث، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وغيرها من المباحث الدلالية المهمة لفهم النصوص الدينية والتي أطبق عليها العلماء الراسخون جيلاً بعد جيل".
ودلّلت مارية الهطالي، على كلامها بإقدام هؤلاء المنظرين المتطرفين على تحريف مفهوم الهجرة، في قول الله تعالى من سورة النساء :" وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"، موضحة أنهم استدلوا بهذه الآية الكريمة على وجوب هجرة المسلم من دار الكفر إلى دار الإسلام – على حد زعمهم- على اعتبار أن أوطان الناس التي يعيشون فيها هي دار كفر، بحجة أن المسلم يعيش فيها مع غير المسلم ويتعامل معه، فدعوا الناس للخروج مباشرة من أوطانهم الآمنة وبلدانهم المستقرة وحياتهم الطيبة، للهجرة إلى مواطن الصراع والاضطرابات والقتال.
وتطرقت كبيرة الوعاظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، إلى السياق التاريخي والمدلول الكلي لبعض النصوص الدينية، قائلة :"هناك نصوصاً لم ينزلها المولى عز وجل إلّا في ظروف زمانية ومكانية معينة، ففريضة الهجرة كانت مخصوصة بزمن النبي عليه الصلاة والسلام، عندما كان الناس لا ينعمون بحرية المعتقد والدين، ولا يأمنون من قريش على أنفسهم وأموالهم، فأمرهم الله تعالى بوجوب هجرتهم إلى المدينة، وقد انتهت هذه الهجرة بفتح مكة لحديث النبي المتفق عليه: ( لا هجرة بعد الفتح ).
فيما تحدث من مدير إدارة الوعظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، عبد الرحمن سعيد علي الشامسي، عن مفهوم الجهاد وكيفية تحريفه واستغلاله لخدمة مآرب وأغراض الجماعات المتطرفة، قائلاً :"منظرو هذه الجماعات قاموا بعزل النصوص الدينية التي تتحدث عن الجهاد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، عن التطبيق العملي للنبي عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام، الذين عاصروا تنزل الوحي، وذلك من خلال تحريفهم للنصوص الواردة في الجهاد، من دلالتها على وجوب الدفاع عن الأوطان، إلى وجوب قتال كل من يخالفهم في المعتقد في كل زمان ومكان، منوهاً إلى أنهم استدلوا على ذلك بقول الله عز وجل في سورة التوبة: ( فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْث وَجَدْتُمُوهُمْ).
وشدد الشامسي على أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يثبت عنه أنه كان يقاتل مشركي مكة لمجرد مخالفتهم إياه في المعتقد، بل كل معاركه معهم كانت دفاعية لا هجومية، وأن التي كان ظاهرها أنه خرج إليهم، فإنه داخل في تكتيك الحروب، حيث كان يخرج إليهم لئلا تصير المعركة في أرضه؛ وحتى يحمي حدود وطنه، مدللاً على صحة قوله بأن النبي كان يكف عن قتال المشركين بمجرد أن يكفوا عن عدوانهم ، إعمالاً لقول الله (فإن جنحوا للسلم فاجنح لها).
وتساءل المحاضر :"كيف يزعم هؤلاء المتطرفون بوجوب قتال كل من يخالفهم في المعتقد؟"، مستطرداً :"أين هم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ألم يستقبل عليه الصلاة والسلام نصارى نجران في مسجده، وألم يفارق النبي الحياة ودرعه مرهونة عند يهودي، وكيف للنبي أن يوجب قتال مخالفيه في المعتقد، بينما الآيات المحكمات تملأ القرآن الكريم بالعفو والصفح والتسامح الديني والتعايش السلمي: (لا إكراه في الدين)، ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )".