عفراء بنت سالم.. 50 عاماً تجارة وتحديات
تعشق الإماراتية عفراء بنت سالم (75 عاماً) التجارة منذ كان عمرها 10 أعوام، ووقفت إلى جانب والدتها في بيع اللبن و«اليقط» و«المالح» في السوق، الذي أحبته وكانت تقضي فيه جل وقتها.
ورغم أن والدة عفراء زوّجتها في سن مبكرة، إذ كان عمرها 12 عاماً، وسفرها مع زوجها إلى البحرين قبل عودتها إلى الدولة في عام 1970؛ فإنها لم تتوقف عن التجارة إلا عندما أصبحت عاجزة عن الوقوف في السوق بحكم سنها، إذ كانت ترى في التجارة حياتها الواسعة، ورزقها ورزق أسرتها. وتقول عفراء: «الزواج لم يغيّر من اندفاعي للحياة وحبي للتجارة والتعامل مع الزبائن في السوق، بل على العكس، صرت أكثر إصراراً وجرأة، واستفدت من تلك الصفات في بناء أسرة متماسكة».
حلم مستمر
عملت عفراء لأكثر من 50 عاماً متخطية الكثير من التحديات، ولاتزال تحلم باليوم الذي تعود فيه صحتها إليها، لتذهب إلى السوق مجدداً وتعود لعملها في البيع والشراء. وتتذكر أنها عملت في البحرين مساعدة قابلة في أحد المستشفيات، لكن شغفها بالتجارة دفعها إلى بيع ما كانت ترسله والدتها إليها من الإمارات من سلع، مثل: البراقع والدخون والحناء والمالح، وغيرها من المنتجات البيتية.
تضيف عفراء، أنها لم تكن تستطيع تخيل حياتها من دون عمل، وتحديداً البيع والشراء الذي تعلمته من أمها التي يعود لها الفضل في تربيتها وصنع شخصيتها»، متابعة: «كانت أمي كل شيء في حياتي، وعلمتني الحياة والشغل والصبر، كانت أخت رجال، تبيع العقارات، واشترت منزلاً عربياً، حولته الى نزل صغير بجانب السوق، ينزل فيه التجار والمسافرون عبر دبي للاستراحة والنوم».
عودة من البحرين
بقيت بنت سالم في البحرين، التي أنجبت فيها كل أبنائها، إلى أن مرض زوجها مرضاً أقعده عن العمل، وعزله عن الحياة وشؤون الأسرة، فأخذت القرار بالعودة الى بلادها لتعيش في منزل متواضع وكانت خلال وجودها في البحرين ترسل لأمها المال لشرائه.
أنجبت بنت سالم 5 من الذكور و3 من الإناث، منهم السيدة نعيمة التي لازمتها معظم أيام حياتها وتعيش معها حالياً. وتروي نعيمة لـ«الإمارات اليوم» مفاصل مهمة في حياة والداتها وعائلتها، وتقول إن والدتها كانت دائماً تطمح إلى حياة أفضل لأبنائها، مشيرة إلى أنها حوّلت جانباً من الحوش في منزلها إلى دكة للبيع، ليكون بمثابة بقالة صغيرة، وذلك في أول بيت سكنته في هور العنز، بعد عودتها من البحرين.
عمل مستمر
وأضافت نعيمة أنها فعلت الأمر ذاته حين انتقلت إلى بيتهم الحالي في القصيص، حيث حوّلت الجراج إلى بقالة عملت فيها الى جانب عملها في الطبخ وتحضير الأكلات الشعبية والولائم للمناسبات والأعراس، وذلك إلى أن تمكنت من أخذ موقع للبيع في سوق السمك الذي در عليها الرزق والخير، حيث كان يصل ربحها من البيع في يوم واحد في أيام عملها في فترة التسعينات إلى 700 درهم.
وتابعت نعيمة أن والدتها بقيت تثابر وتعمل ليل نهار، وأنها حين انتقلت إلى منزلها في القصيص الذي كان بيتاً شعبياً، أصرت على توسعته وتحويله إلى بيت كبير، احتضنت فيه أبناءها من الذكور حتى في سنوات زواجهم الأولى، لتطلب منهم، إذا ما استقروا الانتقال من منزل العائلة والاعتماد على أنفسهم والعيش مستقلين في منازل مع زوجاتهم.
عملت عفراء معظم سنوات عملها في ثلاثة مواقع في الوقت نفسه: بقالتها في القصيص، ودكة البيع في سوق السمك، والطبخ الذي كان يأخذها الى مناطق خارج المدينة للبقاء أياماً وليالي وهي تطبخ في المناسبات. وأحبت بنت سالم عملها في الطبخ الذي تعتبره فناً وذكاء وإحساساً، إذ تقول: «أطبخ من قلبي وروحي.. مو بأيدي.. الطبخ يباله قلب».
بقيت عفراء تعمل دون كلل حتى باغتها المرض بضربة قاسية في العام 2011، فقدت على أثرها رجلها نتيجة إصابتها بمرض السكري الذي كانت تهمل أدويته بسبب انشغالها بالعمل.
اعتراف بالجميل
تعتز نعيمة كثيراً بفضل والدتها عليها وعلى إخوتها، وتقول إنها هي من صنعتهم بإرادتها وشخصيتها وإصرارها على مواصلة العمل، وكسب الرزق، حتى كبروا واعتمدوا على أنفسهم بفضل جهودها وتعبها.
وتتابع أن والدتها خسرت صحتها بسبب حبها للعمل وإصرارها على الاعتماد على نفسها في إعالة أسرتها وتأسيسهم مادياً واجتماعياً، مضيفة أنها شخصية مميزة اكتسبت منها هي وإخوتها بعض الصفات، إلا أنه لم يتمكن أحد منهم من جمع كل خصالها ومهاراتها وملكاتها، لكنهم تعلموا منها تحمّل المسؤولية وحب الناس واحترامهم.
نموذج إنساني
الوالدة عفراء بنت سالم التي لم تُتح لها ظروف نشأتها تعلم القراءة والكتابة، نموذج لإنسان عصامي صنع حياته وحياة آخرين، وهي نموذج لامرأة إماراتية من زمن الأصالة والطيب والحب، ونموذج لابنة بارة وزوجة صبورة، وأم مضحية ومثالية، أحبت أبناءها وأسرتها حتى أفنت صحتها من أجلهم.