عيسى المسكري: 5 استراتيجيات لبناء علاقة إيجابية مع ابنك
تختلف أساليب تربية الأبناء من أسرة إلى أخرى، باختلاف ثقافة وتنشئة الأبوين، فمنهم من يتخذ من اللين والحوار منهاجا في معاملة أطفاله، فيما يرى البعض أن الشدة والحزم هما الأسلوب الأمثل في التنشئة السليمة للطفل، فيما يمزج آخرون بين المنهجين.
وعلى الرغم من اختلاف وتعدد أساليب التربية، فإنها تظل اجتهادات شخصية من قبل الأبوين، وفي هذا الصدد يشكو قارئ من سوء معاملته لابنه الصغير، ما تسبب في جفوة في العلاقات بينهما، ونفور في المعاملة، وتظهر بينهما حواجز في الحوار والسلوك.
ويحدد المستشار الأسري، عيسى المسكري خمس استراتيجيات مهمة في تربية الأبناء إذ يؤكد أن الطفولة تعد أول مرحلة في حياة الإنسان يترجم فيها تاريخه الاجتماعي والنفسي، ويدون على صفحاتها البيضاء سيرته المستقبلية، ويخط بقلم التربية أهم محطات التميز والإبداع، مرحلة مزودة بخصال الفطرة والبراءة والصدق والنقاء، مرحلة مليئة بالحب والحنان والعاطفة، كأن الطفل في هذه المرحلة يضع بصمته الخالدة التي تؤثر على أفكاره ومشاعره وقراراته عند الكبر، لذا يجب علينا أن نعي أهمية هذه المرحلة، ونعتني بها، ونمنح الطفل كامل الحقوق في التنشئة السليمة، والاهتمام بمواد التغذية النفسية والعاطفية ونعرف من أين مصدرها وكيف نحافظ عليها، بمراقبة حركاته وتصرفاته وتوجيهه بحب ورحمة وحكمة.
هناك خمس استراتيجيات في تحسين روابط المودة، وبناء علاقات الود مع الأبناء، تبدأ كلها بالأفعال التالية: العب، ابتسم، شارك، حاور، صاحب، وأكثر الآباء بعيدون عن هذه الاستراتيجيات، وذلك بسبب طبيعتهم الشخصية أو مشاغلهم اليومية، أو التزاماتهم الخارجية، وهناك أسباب أخرى لا يسعنا ذكرها، وأكثرها أسباب واهية، فالابن بحاجة ماسة إلى مثل هذه الاستراتيجيات، لأنها تسهم في تقوية الوصال وبناء العلاقات.
الاستراتيجية الأولى: العب، يعد اللعب وسيلة تربوية ناجحة ومدخل إلى عالم الطفل ترفيها وتعليما، فيعزز مشاعر التآلف، ويحفز دوافع الود، ويبني جسور الاشتياق، ويزيل حواجز القسوة، ويحرر النفس من الخوف والقلق، وتعد هذه الاستراتيجية اليوم وسيلة للتعليم، وطريقة لتوصيل المعلومات، وذلك من خلال الأنشطة الترفيهية الناجحة والمهارات التربوية الهادفة.
الاستراتيجية الثانية هي: ابتسم، فالابتسامة من قبل الوالدين سعادة في النفس، وفرحة للقلب، ومتعة متجددة، كأنها بسحرها معمل لإنتاج فيتامينات المرح والفرح، فقد جاءت بعض الدراسات اليوم تثبت بأن الابتسامة علاج للآفات والأمراض والأوجاع، تدفع الطفل إلى بناء حياة تحفها أجنحة الأمن والاحتواء، وتزيد فيه حيوية التفاعل الاجتماعي والمشاركة الإيجابية، فتقلل من الضغوط النفسية، وتبعد عنه القلق، وتعالج الاكتئاب، وتزيل الكبت النفسي والرفض العاطفي، وتفتح مساحة آمنة للبوح عن المشاعر والأفكار، وهناك مفردات واسعة للابتسامة، منها طلاقة الوجه، وبشاشة الترحيب وجمال اللقاء، فمن كان غليظ القلب نفرت منه الزوجة وابتعد عنه الأهل والأبناء. الاستراتيجية الثالثة: شارك، وتنقسم المشاركة إلى قسمين، مشاركة الأسرة بما يقوم به الطفل من واجبات وأعمال، كحل الواجبات، والرسم، والقراءة، والهوايات التي يمارسها، ومشاركته في ترتيب غرفته الخاصة، وتنظيم أدواته المدرسية، والقسم الثاني، مشاركة الابن أسرته، بفتح مساحة واسعة يشارك فيها أحد والديه بما يقوم به، مثل اتخاذ القرارات، أو يساعد والده في أعماله الخاصة، فيطّلع على أسرارها، ويتعلم مهارات جديدة، أو يأخذه إن سنحت له الفرصة إلى مقر عمله، للاطلاع على طبيعة وظيفته، فإن كان تاجراً علمه أسرار مهنته، وإن كان عالما اورثه من علمه، وهنا ستظهر مواهبه النادرة، وقدراته الخاصة، فالمشاركة المتبادلة بين الأب الذي يشارك أبنه، والأبن الذي يشارك أباه تعد اسمى مراتب التربية، وأفضل الوسائل لاكتساب المواهب والمهارات.
والاستراتيجية الرابعة: حاور، وتعد هذه الاستراتيجية من أهم الاستراتيجيات في بناء الثقة، وتقوية الشخصية، وصناعة التفوق والنجاح، فالطفل يسمو بشخصيته الرائعة من خلال الحوار والمناقشة.
الاستراتيجية الأخيرة: صاحب، يتم بهذه الاستراتيجية تبادل التجارب والخبرات بين الآباء والأبناء، فيكون الابن صديقا لأبيه يبوح عما سكن في فؤاده أو ما يؤلم مشاعره، يخبره عن أصحابه، يتحدث عن هواياته، يطلب منه حل مشكلاته، يستشيره من أجل صناعة قراراته، فكن مع ابنك رفيقا في الطريق، وأخا في البيت، وصاحبا مقربا يفرح بك عند اللقاء ويحزن إن اقترب وقت الوداع، خذ ابنك إن كنت إلى المسجد متجها من أجل العبادة أو الذكر أو العلم، صاحبه في حلق الذكر، اجلس معه في مجالس العلم، شاركه في ميادين القوة والتحدي والمنافسة كالسباحة، وركوب الخيل، أو الرماية.
فهذه الاستراتيجية الأخيرة ترقى إلى أعلى مراتب الصحبة الراقية، وتعد واحدة من أفضل الطرق للتربية الناجحة، وأقوى في بناء العلاقات الحميمية المتميزة.
هذه الاستراتيجيات وسيلة راقية لبناء العلاقات بينك وبين أبنائك، فالله لا يضيع غرسا زرعته بالمحبة، ولا يهمل نبتة رويتها بالمودة، ولا يفسد زرعا هذبته بالاهتمام والتربية والرعاية.