ضغوط من نوع آخر تواجهها أسر أطفال "متلازمة داون" و"التوحد" خلال مكافحة "كورونا"
قبل أيام كانت ذكرى اليوم العالمي لـ"متلازمة داون"، وغداً الثاني من أبريل يوافق ذكرى اليوم العالمي للتوعية بالتوحد، لتأتي هاتان المناسبتان في فترة يمر العالم بأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، التي تستهلك الطاقات والامكانات لدى الشعوب والأفراد إلى أقصى الحدود، ولتلقي بثقلها على الأسر التي لديها أطفال من أصحاب الهمم الذين يحتاجون في الظروف الاعتيادية إلى رعاية واهتمام وإمكانات من نوع مختلف، في وقت تزداد الضغوط النفسية والجسدية بشكل أكبر في وقت الأزمات، على الأسر والأفراد الذين يعانون أصلاً مشكلات يومية نتيجة ظروف صحية أو نفسية او مادية معينة.
ولعل الأسر التي لديها أطفال لديهم "متلازمة داون" أو "توحد"، من بين هذه الأسر التي تتضاعف متاعبها في الفترة الراهنة، حيث يميل عادة هؤلاء الأطفال الى الحركة والتحرر من القيود، في وقت يجب الالتزام بالمنازل تنفيذاً لتعليمات الوقاية من الفيروس.
وتعد مشكلة جنوح الأفراد من أصحاب الهمم، الأطفال منهم والبالغون، الى الهروب من منازلهم بشكل مستمر، من بين أبرز المشكلات التي تواجه أسرهم في الأحوال الطبيعية، حيث يعد الأمر شائعاً بالنسبة للذين لديهم "متلازمة داون"، أو الذين لديهم أحد أطياف "التوحد".
وتتعدد أنواع واشكال الضغوط النفسية التي تعيشها الأسر التي لديها أفراد من أصحاب الهمم، والتي من بين أهمها ارتهانهم على مدار الساعة للمتابعة والرقابة المطلوبة على أبنائهم، لضمان سلامتهم الجسدية والمعنوية، لاسيما في ظل عيش معظمهم في مساكن غير مهيأة لاحتياجات وظروف أنواع الاعاقات المختلفة.
ويؤكد خبراء الحالة الصحية والنفسية لأصحاب الهمم أن محاولات خروجهم من المنزل لا تقتصر حدوثها على ساعات النهار فقط، بل كثير منها ما يحصل أثناء ساعات الليل المتأخرة، التي يستيقظ فيها هؤلاء الأفراد فجأة ويفتحون الباب ويخرجون من المنزل.
ويمكن تعريف "متلازمة داون" بأنها نوع من الإعاقة الذهنية، ينتج عن خلل جيني يظهر عند حديثي الولادة، بمجموعة من الصفات والمظاهر الخلقية والإكلينيكية تصاحبهم مدى حياتهم. وتصاحب "متلازمة داون" درجات متفاوتة من الإعاقة الذهنية والجسدية والمشكلات الطبية. أما "التوحد" فهو ضعف النمو وتطور الدماغ أو الجهاز العصبي المركزي، ويتسم بثلاثة أعراض محددة، تتضمن ضعفاً في التفاعل الاجتماعي، وضعفاً في التواصل، ووجود اهتمامات وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة.
وروت إحدى الأمهات لـ"الامارات اليوم" عن معاناتها الدائمة في إيجاد طرق تضمن عدم خروج طفلها، الذي لديه "متلازمة داون"، من المنزل بمفرده، مؤكدة أنه دائم محاولة الهروب من المنزل، بغض النظر عن الوقت او الظرف المحيط به.
وأضافت أن افراد الأسرة يحيطون طفلها البالغ 10 سنوات بكل المحبة والعطف، إلا أنه يحاول دائماً مباغتتهم للخروج بمفرده من المنزل، لافتة إلى أنه صار يراقبهم ليعرف مكان إخفائهم مفاتيح المنزل وأنه نجح أكثر من مرة في العثور عليها، وأشارت إلى أن فكرة خروجه بمفرده تسبب قلقاً وتوتراً لكل أفراد الأسرة، حيث من الصعب الاستمرار في إحكام الأبواب طوال الوقت.
أمّ لطفلة لديها أيضاً "متلازمة داون" شكت اضطرارها إلى متابعتها في كل لحظة، خوفاً من خروجها إلى الشارع وحيدة، وذلك على الرغم من وجود كاميرات في كل انحاء المنزل لمتابعة تحركاتها، حرصاً على سلامتها. وقالت الأم إنه على الرغم من صغر حجمها إلا أنها تمكنت من وضع كرسي والوقوف عليه والوصول لفتح قفل الباب.
وأعربت الأم عن قلقها من خروجها ليس فقط عبر الباب، بل من خلال نوافذ الحجرة، مشيرة إلى قرار الأسرة السكن في منزل من طابق واحد أرضي، تحسباً لوقوع حوادث خطرة تهدد سلامتها، وتابعت أن التمكن من إحكام النوافذ والأبواب يتطلب نظام إغلاق إلكتروني، ويحتاج إلى الفتح والغلق برموز وأرقام سرية، ما يجعل الأمر صعباً بالنسبة لجميع أفراد الأسرة من كل الفئات العمرية.
سيدة أخرى من الأسر المتعففة، أرملة ولديها ثلاث فتيات صغيرات في عمر المراهقة من الذين لديهم إعاقة ذهنية، تعاني تحملها مسؤولية المحافظة على سلامتهن طوال الوقت، لاسيما أن ظروفها المادية لا تسمح لها بالاستعانة بمساعدة منزلية أو مُرافِقة لبناتها تعاونها في الاهتمام بهن.
من ناحيته، قال أب لطفل لديه "توحد" ان هذه الحالات بحاجة إلى السكن في منازل تمت تهيئتها لتناسب الظروف النفسية والجسدية والذهنية للأفراد من أصحاب الهمم، وتابع أن كل مرافق المنزل من نوافذ وسلالم وابواب وحجرات ودورات مياه، يجب ان تكون بمواصفات معينة تناسب حالة الإعاقة او نوع التوحد الموجود لدى الطفل.
من جهته، شرح الطبيب النفسي، الدكتور حسين المسيح، لـ"الإمارات اليوم" أسباب رغبة هؤلاء الافراد في الخروج بمفردهم من المنزل، مؤكداً ان ما يفعلونه ليس هروبا من المنزل، وانهم يقومون بتصرفات لا يدركون عواقبها. وأكد ان هذه المشكلة يعانيها كثير من الأطفال الذين لديهم "توحد" او "متلازمة داون"، حيث يستيقظ كثير من الأهالي صباحاً فلا يجدون الطفل في المنزل ليقوموا بتبليغ الشرطة والبحث في المستشفيات، وتابع انه يجب على الأهالي ان يتخذوا احتياطاتهم بكثير من التشدد والحذر، لاسيما من ناحية قفل الأبواب والنوافذ والتأكد من احكام قفل الأبواب ليلاً، وكذلك التأكد من صعوبة فتح النوافذ من الداخل.
وقال المسيح ان تصرفهم ليس هروباً بقدر ما هو تعبير عن اندفاعية يتسم بها سلوكهم، اذ حين يفكرون في شيء او يرغبون فيه يقومون به فوراً، دون التفكير في النتائج أو الأثر المترتب على تصرفهم، وأفاد بأن حجم وشدة السلوك الاندفاعي تكون نسبتهما عالية جداً في مرحلة الطفولة، وإنه يعي أثر تصرفاته حين يكبر في العمر قليلاً.
وأضاف ان الطفل من هؤلاء حين يسمع صوتاً او حركة في الخارج فإنه يرغب في الخروج فوراً لمشاهدة ما يحصل، من غير ان يعي انه يجب ان يكون بمرافقة أحد، ومن دون ان يفكر في النتائج او العواقب المترتبة على خروجه، كما لا يحسب كل الأمور المتعلقة بخروجه فجأة من المنزل.
أما عن سبب استيقاظهم فجأة خلال الليل، فقال المسيح ان هناك ما يعرف علمياً بـ"التجول"، وهو صفة ملازمة لهم تشرح تصرفهم، حيث ان هناك أطفالاً يجلسون في اماكنهم بجانب أهلهم، فيما أطفال آخرون وتحديداً أطفال "التوحد" و"متلازمة داون" يعرفون بـ"التجول"، الذي يمكن تعريفه بكثرة الحركة والرغبة في الانتقال من موقع الى آخر. وتابع أن هؤلاء الأطفال إذا استيقظوا ليلاً ولم يجدوا أحداً بجانبهم يقومون بالتجول داخل المنزل، ومن ثم الخروج من المنزل للتجول خارجه من غير ان يشعر أحد، وعندها يتعرض الطفل للضياع لأنه لا يعرف كيف يعود الى المنزل.
وعن وجود تقنيات او اساليب ممكن ان يستخدمها الأهل لمواجهة الأطفال الذين يبتكرون طرقاً للتحايل والخروج بمفردهم من المنزل، قال المسيح إن الطفل إذا وصل إلى مرحلة صار فيها يراقب ويبتكر ويجد طريقة للخروج، فإن أفضل حل ممكن ان يلجأ الأهل اليه هو الاستعانة بأجهزة مساعدة، مثل أجهزة الإنذار التي تصدر تنبيهاً بمجرد فتح الأبواب او النوافذ.
وأضاف ان ذلك قد يشوبه بعض العوائق، لاسيما أن هذه الأجهزة تتطلب ميزانيات خاصة، وذلك ما يزيد الأعباء على الأسر، خصوصاً ان تكاليف المصروفات كأسر لديها فرد من أصحاب الهمم، أعلى من مصروفات أي اسرة أخرى.
يذكر ان وزارة تنمية المجتمع تنفذ حالياً برامج التعليم والتدريب عن بُعد، للأطفال المسجلين في مراكزها، مواصلة تنفيذ خططها في تأهيل ورعاية أصحاب الهمم من الاعاقات المختلفة بما فيها الإعاقة الذهنية.