«مسبار الأمل» أول مرصد جوي للمريخ.. والصورة الأولى يرسلها خلال أسبوع
تابع الملايين في الإمارات والوطن العربي والعالم بترقب اللحظة التاريخية لدخول «مسبار الأمل» بنجاح لمدار الالتقاط حول كوكب المريخ، مساء أمس، من خلال تغطية حية نقلتها محطات التلفزيون ومواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، ضمن فعالية كبرى نُظمت في محيط برج خليفة، الذي اكتسى إلى جانب المعالم الرئيسة في الدولة والعالم العربي بلون الكوكب الأحمر.
وسلطت الفعالية الضوء على مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ من الفكرة إلى التنفيذ، ورحلة دولة الإمارات مع حلم الفضاء وكيفية تحقيقه من خلال تأهيل وإعداد كوادر إماراتية علمية على قدر كبير من الخبرة والكفاءة. كما شهدت الفعالية عرضاً مبهراً بالليزر على واجهة برج خليفة تم تنفيذها بتقنية رفيعة المستوى، استعرضت رحلة مسبار الأمل والمراحل التي مر بها المشروع وجهود الكوادر الإماراتية التي شاركت في تحقيق هذا الحلم.
وقدمت وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة رئيسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، سارة بنت يوسف الأميري، عرضاً توضيحياً مفصلاً باللغتين العربية والإنجليزية لأهم مرحلة من مراحل رحلة مسبار الأمل، والمتمثلة في مرحلة دخول مدار المريخ، كونها الأهم والأكثر خطورة، وتعد حاسمة في ما سيؤول إليه مستقبل المهمة الاستكشافية.
وتخلل الفعالية الاتصال المباشر عبر الفيديو مع فريق العمليات والمهندسين في محطة التحكم الأرضي في مركز محمد بن راشد للفضاء في الخوانيج بدبي، حيث قدم مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» المهندس عمران شرف، أحدث التحديثات والمستجدات، أولاً بأول، في ما يتعلق بمسار مسبار الأمل في الدقائق الأخيرة الفاصلة من رحلته تمهيداً لدخوله مدار المريخ.
وكانت اللحظات الحاسمة لمرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر قد بدأت عند الساعة 7:30 مساء بتوقيت الإمارات، مع قيام مسبار الأمل ذاتياً، وفقاً لعمليات البرمجة التي كان فريق العمل قد أجراها مسبقاً قبل إطلاقه، ببدء تشغيل محركاته الستة للدفع العكسي «دلتا في» لإبطاء سرعته من 121 ألف كيلومتر إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة، مستخدماً نصف ما يحمله من وقود، في عملية استغرقت 27 دقيقة. وانتهت عملية حرق الوقود عند الساعة 7:57 مساء ليدخل المسبار بأمان إلى مدار الالتقاط، وعند الساعة 8:08 مساءً تلقت المحطة الأرضية في الخوانيج إشارة من المسبار بنجاح مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، لتكتب دولة الإمارات اسمها بحروف بارزة في تاريخ المهمات الفضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر.
وبنجاحه في إنجاز مرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط حول المريخ، يكون مسبار الأمل قد أنجز أربع مراحل رئيسة في رحلته الفضائية منذ إطلاقه في 20 يوليو 2020 من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان على متن الصاروخ «إتش 2 إيه»، وهي بالترتيب: مرحلة الإطلاق، ومرحلة العمليات المبكرة، ومرحلة الملاحة في الفضاء، ومرحلة الدخول إلى المدار. ويتبقى أمامه مرحلتان هما: الانتقال إلى المدار العلمي، وأخيراً المرحلة العلمية، حيث يبدأ المسبار مهمته الاستكشافية الخاصة برصد وتحليل مناخ الكوكب الأحمر.
ومع نجاح مرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط، بدأ مسبار الأمل يومه الأول حول كوكب المريخ، وأصبح فريق المحطة الأرضية قادراً على التواصل مع المسبار للتأكد أن هذه المرحلة، التي كانت أكثر مراحل المهمة الفضائية دقة وخطورة، لم تؤثر على المسبار وأنظمته الفرعية والأجهزة العلمية التي يحملها.
ووفقاً لما هو مخطط له قد تستغرق هذه العملية من ثلاثة إلى أربعة أسابيع، يكون فيها الفريق على تواصل دائم مع المسبار على مدار 24 ساعة يومياً، عبر مناوبات متتابعة، علماً بأن المسبار سيكون قادراً أثناء هذه المرحلة من التقاط أول صورة للمريخ خلال أسبوع من وصوله بنجاح إلى مدار الالتقاط.
وبعد التأكد من كفاءة المسبار وأنظمته الفرعية وأجهزته العلمية، سيقوم فريق المشروع ببدء تنفيذ المرحلة التالية من رحلة المسبار وهي الانتقال إلى المدار العلمي عبر مجموعة عمليات لتوجيه مسار المسبار لنقله إلى هذا المدار بأمان، باستخدام المزيد من الوقود الذي يحمله المسبار على متنه، وسوف تتبع ذلك عمليات رصد دقيقة لموقع المسبار للتأكد من وجوده في المدار الصحيح، وبعدها سوف يتم إجراء عمليات معايرة شاملة لأنظمة المسبار (الأصلية والفرعية)، تشبه تلك التي كان الفريق قد أجراها عقب عملية إطلاق المسبار في العشرين من يوليو الماضي، وقد تمتد عمليات المعايرة وإعادة ضبط أنظمة المسبار نحو 45 يوماً، إذ يتم معايرة كل نظام على حدة، علماً بأن كل عملية تواصل مع المسبار في هذه المرحلة تستغرق ما بين 11 و22 دقيقة نظراً لبعد المسافة بين كوكبي الأرض والمريخ.
وبعد إنجاز كل هذه العمليات تبدأ المرحلة الأخيرة في رحلة المسبار وهي المرحلة العلمية المقرر لها أن تبدأ في شهر أبريل المقبل، حيث سيقوم مسبار الأمل بتوفير أول صورة كاملة عن مناخ المريخ والظروف الجوية على سطحه على مدار اليوم وبين فصول السنة، ما يجعله فعلياً أول مرصد جوي للكوكب الأحمر.
وسوف تستمر مهمة المسبار سنة مريخية كاملة (687 يوماً أرضياً)، بحيث تمتد حتى أبريل 2023، لضمان أن ترصد الأجهزة العلمية الثلاثة التي يحملها المسبار على متنه كل البيانات العلمية المطلوبة التي لم يتوصل إليها الإنسان من قبل حول مناخ المريخ، وقد تمتد مهمة المسبار سنة مريخية أخرى، إذا تطلب الأمر ذلك، لجمع المزيد من البيانات وكشف المزيد من الأسرار عن الكوكب الأحمر.
ويحمل مسبار الأمل على متنه ثلاثة أجهزة علمية مبتكرة، قادرة على نقل صورة شاملة عن مناخ المريخ وطبقات غلافه الجوي المختلفة، ما يمنح المجتمع العلمي العالمي فهماً أعمق للتغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب الأحمر ودراسة أسباب تآكل غلافه الجوي.
وترصد هذه الأجهزة، وهي كاميرا الاستكشاف الرقمية والمقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء والمقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية، كل ما يتعلق بكيفية تغير طقس المريخ على مدار اليوم، وبين فصول السنة المريخية، بالإضافة إلى دراسة أسباب تلاشي غازي الهيدروجين والأوكسجين من الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، والتي تشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزيئات الماء، وكذلك تقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلى والعليا لكوكب المريخ، ومراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية، وتغيرات درجات الحرارة، فضلاً عن تنوّع أنماط المناخ تبعاً لتضاريس الكوكب المتنوعة.
الدقائق الأصعب
تعد مرحلة الدخول إلى مدار المريخ والتي استغرقت 27 دقيقة قبل وصول المسبار بنجاح إلى مداره المحدد حول الكوكب الأحمر من أصعب وأخطر مراحل المهمة، وتعرف هذه المرحلة بـ«الدقائق العمياء»، حيث كان التحكم فيها تلقائياً من دون أي تدخل من المحطة الأرضية، إذ عمل المسبار طوال هذا الوقت بشكل ذاتي.
وفي هذه المرحلة ركز فريق العمل على إدخال مسبار الأمل في مدار الالتقاط حول المريخ بشكل آمن، ومن أجل إتمام هذه المهمة بنجاح تم حرق نصف كمية الوقود الموجودة في خزانات المسبار لإبطائه إلى الحد الذي يسمح بإدخاله في مدار الالتقاط، واستمرت عملية حرق الوقود باستخدام محركات الدفع العكسي (دلتا في) لمدة 27 دقيقة لتقليل سرعة المسبار من 121 ألف كم/ساعة إلى 18 ألف كم/ساعة، ونظراً لكونها عملية دقيقة، فقد تم تطوير أوامر التحكم لهذه المرحلة عبر دراسة عميقة من الفريق حددوا فيها كل السيناريوهات التي يمكن أن تحدث، بالإضافة الى كل الخطط التحسينية لتكون الأوامر جاهزة لهذه اللحظة الحرجة. وبعد نجاح هذه المهمة دخل المسبار في مداره الأولي البيضاوي الشكل، حيث تصل مدة الدورة الواحدة حول الكوكب فيه إلى 40 ساعة، وسيراوح ارتفاع المسبار أثناء تواجده في هذا المدار من 1000 كيلومتر فوق سطح المريخ إلى 49 ألفاً و380 كيلومتراً. ويستمر المسبار في هذا المدار أسابيع عدة لإعادة فحص واختبار جميع الأجهزة الفرعية الموجودة على متن المسبار قبل الانتقال إلى المرحلة العلمية.
ولاحقاً، تبدأ المرحلة السادسة والأخيرة وهي المرحلة العلمية، وخلالها سيتخذ «مسبار الأمل» مداراً بيضاوياً حول المريخ على ارتفاع يراوح ما بين 20 ألفاً و43 ألف كيلومتر، ويستغرق فيه المسبار 55 ساعة لإتمام دورة كاملة حول المريخ. ويعد المدار الذي اختاره فريق مسبار الأمل مبتكراً للغاية وفريداً من نوعه، وسيسمح لمسبار الأمل بإمداد المجتمع العلمي بأول صورة متكاملة عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ وطقسه خلال عام كامل. وسيقتصر عدد مرات اتصال «مسبار الأمل» مع المحطة الأرضية على مرتين فقط في الأسبوع، وتراوح مدة الاتصال الواحد ما بين 6 و8 ساعات، وتمتد هذه المرحلة عامين، ومن المخطط أن يجمع المسبار خلالها مجموعة كبيرة من البيانات العلمية عن الغلاف الجوي للمريخ وديناميكياته. وسيتم توفير هذه البيانات العلمية إلى المجتمع العلمي عبر مركز البيانات العلمية التابع لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ.
تجربة حافلة بالتحديات
على مدى أكثر من ست سنوات من العمل على «مسبار الأمل»، تصميماً وتنفيذاً وبناء من الصفر، شهد المشروع تحديات جمّة، شكل تخطيها قيمة مضافة له. وكانت أولى هذه التحديات إنجاز المهمة الوطنية التاريخية لتصميم وتطوير المسبار خلال ست سنوات، حتى يتزامن وصوله مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن المهام الفضائية المثيلة يستغرق تنفيذها ما بين 10 أعوام و12 عاماً، حيث نجح فريق مسبار الأمل من كوادر وطنية عالية الكفاءة في هذا التحدي، محولين الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي دفعهم لبذل المزيد من الجهد.
مشروع اليوبيل الذهبي
كانت رحلة مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» قد بدأت فعلياً كفكرة قبل سبع سنوات من خلال خلوة وزارية استثنائية دعا لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في جزيرة صير بني ياس في أواخر عام 2013، حيث قاد سموه عصفاً فكرياً مع أعضاء مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين استعرض فيه معهم جملة أفكار للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في العام، وقد تبنت الخلوة يومها فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ، كمشروع جريء، ومساهمة إماراتية في التقدم العلمي للبشرية، بشكل غير مسبوق.
وتحولت هذه الفكرة إلى واقع عندما أصدر صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في عام 2014، مرسوماً بتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، لبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، أُطلق عليه اسم «مسبار الأمل»، بحيث يتولى مركز محمد بن راشد للفضاء التنفيذ والإشراف على مراحل تصميم المسبار وتنفيذه، بينما تمول الوكالة المشروع وتشرف على الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
- «مسبار الأمل» يدرس أسباب تلاشي غازي الهيدروجين والأوكسجين من الغلاف الجوي للمريخ.
- بيانات «مسبار الأمل» تمنح المجتمع العلمي فهماً أعمق للتغيرات المناخية فيه.
- المرحلة العلمية من المهمة الفضائية للمسبار تبدأ أبريل المقبل وتمتد حتى أبريل 2023.