التشخيص والرسوم والدمج أبرز تحديات «التوحّد»
حدّد ذوو أطفال مصابين بالتوحّد تحديات عدة تواجههم في تأهيل وتدريب أبنائهم، أبرزها التشخيص، وارتفاع كلفة العلاج، والدمج في المدارس، إضافة إلى ما تتعرض له أمهاتهم من ضغوط نفسية واجتماعية. وقدموا اقتراحات تسهم في رفع العبء المالي عن كاهل الأسر، أبرزها إنشاء صندوق دعم بإشراف حكومي، وزيادة عدد المراكز الحكومية التي تقدّم التشخيص والعلاج مجاناً للأطفال.
وأكدوا أن لدى أطفال التوحّد قدرات وإمكانات إبداعية كبيرة، تحتاج إلى رعاية خاصة لتطويرها، إلا أن طاقاتهم تتلاشى بسبب تحديات العلاج والتشخيص.
من جانبها، أكدت وزارة تنمية المجتمع لـ«الإمارات اليوم» أنها تعمل حالياً على اعتماد سياسة وطنية لذوي اضطراب التوحّد، بهدف تقديم أفضل دعم ورعاية ممكنين لمصابي التوحّد وذويهم.
قالت والدة طفل مواطن مصاب بالتوحّد، يبلغ 11 عاماً، ليندا دحماني: «أنا مطلقة، ولا أعمل، وكل دخل أسرتي (8000 درهم) تقدمه لنا هيئة تنمية المجتمع في دبي، موزّع على النحو الآتي: 5000 درهم للطفل، و3000 معاش مطلقة. وهذا المبلغ لا يكفي رسوم علاج ابني، إضافة إلى مصروفات المعيشة اليومية»،
ولفتت إلى أن رسوم الدراسة لطفل التوحّد في المدرسة أكبر من الرسوم التي يدفعها بقية زملائه، لأنه يحتاج إلى رعاية أكبر وعدد أكبر من المعلمين، إضافة إلى «معلمة ظل»، مشيرة إلى أن الهيئة تسهم بمبلغ 40 ألف درهم من الرسوم الدراسية، فيما يراوح رسم الحصة في المراكز المتخصصة، بين 650 و1000 درهم.
وذكرت أنها تتابع حالة ابنها مع مستشفى الجليلة في دبي منذ عام 2017. وقبل فترة أعطاه طبيبه عقاراً لتهدئته من القلق، ولكن كلما تناول الدواء ساءت حالته، وكلما زادت جرعة العقار زادت الحالة سوءاً، لدرجة أنه بدأ يضرب نفسه، ولم تعد السيطرة عليه سهلة. وعندما راجعنا المستشفى أدخله المسؤولون إحدى الغرف، وبعد مرور ثلاثة أيام أخبروني بأن التأمين لن يغطي تكاليف العلاج، أي أن عليّ سداد 4000 درهم عن كل ليلة في المستشفى.
وتابعت: «عندما تواصلت مع الهيئة لأشرح للمسؤولين أن التأمين لا يغطي العلاج، طلبوا مني الذهاب إلى هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، للحصول على تبرع لعلاجه».
واعتبرت أنه من الضروري تعديل التأمين بحيث يشمل علاج وتأهيل أطفال التوحّد المواطنين، ولا يرفض طلب علاج لأيّ طفل توحّد، وأن تتضمن المستشفيات قسماً خاصاً لعلاج أطفال التوحد، لأن بعض المستشفيات، لا تسمح بدخول الأطفال المصابين بالتوحد.
وأكد محمد الهولي (والد طفلين توأمين مصابين بالتوحد)، «عدم وجود جهات رقابية على مراكز التوحد الخاصة، لضبط رسومها بما يتناسب مع إمكانات أسر أطفال التوحد ومدة العلاج، إضافة إلى أن التوعية بإصابة التوحد، سواء للوالدين أو المجتمع، ليست كافية»، مشيراً إلى أن «عدد المراكز الحكومية التي تُعنى برعاية أطفال التوحد على مستوى الدولة قليل جداً، والمراكز تجمع الحالات مع بعضها بعضاً على الرغم من أن كل حالة تختلف عن الأخرى، ولذلك تحتاج إلى رعاية خاصة، وهذا الجمع ينتج عنه تأثر الأطفال بسلوكيات بعضهم بعضاً».
وأشار إلى أن «أقلّ رسوم يمكن أن يتقاضاها مركز متخصص من أولياء أمور أطفال التوحد، هي 60 ألف درهم سنوياً، ولكن هذا المبلغ قد يكون مرهقاً لكثير من الأسر»، لافتاً إلى أن هيئة الصحة تكفلت - قبل جائحة «كورونا» - بدعم مصروفات علاج ابنيه، ولكن الأمر تغير بعد الجائحة.
وأضاف الهولي: «تقاعدت زوجتي من عملها وتفرغت لرعاية الطفلين، بهدف تقليل الرسوم المطلوبة لرعايتهما، كما اضطرتني الظروف في فترة من الفترات، إلى اقتراض مبلغ 350 ألف درهم من البنك، لعلاجهما، لأن أسعار المراكز الخاصة مرتفعة».
وطالب بتوفير مراكز حكومية لرعاية وتأهيل الأطفال أصحاب الهمم.
وشدد على ضرورة إجراء التشخيص المبكر للأطفال في مراكز حكومية، لتحديد حالة كل طفل، حتى يمكن التعامل معها مبكراً.
أمّا ناصر حسن (والد لطفل مصاب بالتوحد)، فذكر أن رسوم المدرسة الخاصة التي تقبل أطفال التوحد تتجاوز 100 ألف درهم، هي رسوم التدريس، البالغة 58 ألف درهم، ورسوم خدمات الرعاية الأخرى، ومعلمة الظل التي يراوح راتبها شهرياً بين 4000 و5000 درهم، مطالباً بدعم دمج ورعاية الأطفال المصابين بالتوحد، في الدراسة والعلاج.
وأوضح أن كلفة العلاج السلوكي لطفله مرتفعة، حيث يبلغ سعر الساعة 400 درهم، وقيمة سعر الدواء لأسبوعين 2500 درهم.
ولفت إلى أن أبرز التحديات التي تواجه أسرة الطفل المصاب بالتوحد، هي أن التأمين الصحي لا يشمل العلاج المدرج تحت مسمّى تشخيص التوحد، ولا يشمل الاستشارة الطبية ولا الأدوية.
وطالب بمراجعة قانون التقاعد لأمهات أصحاب الهمم، ومنهم المصابون بالتوحد، مع منح الأم العاملة مرونة في وقت عملها لأداء مهامها كأم وموظفة، مشيراً إلى أن زوجته من الأطباء (خط الدفاع الأول)، وعملها يتطلب منها أن تقضي وقتاً طويلاً في المستشفى، كما أن طفلها يحتاج إلى رعايتها في المنزل، ولا تستطيع التوفيق بين الأمرين.
أمّا ناريمان الغندور، وهي أم لطفل يبلغ أربع سنوات، فتقول، إن ابنها خضع للتشخيص في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم في أبوظبي، وأظهرت النتيجة أنه مصاب باضطراب طيف توحد.
وأكدت أنها كانت قد عرضت الطفل على أكثر من دكتور متخصص، وأن التشخيصات جاءت متضاربة، لذلك تقترح تحديد جهات معتمدة للتشخيص، على أن تكون تقاريرها موثقة على مستوى الدولة.
وطالبت بعلاج الأطفال المصابين بالتوحد بأسعار رمزية، وأن تدرج شركات التأمين فحص وعلاج التوحد تحت مظلتها التأمينية، مع ضرورة توجيه المراكز الخاصة إلى تخفيض رسومها بما يتناسب مع متوسط دخل الأسر، مشيرة إلى أن راتب زوجها لا يتعدى 10 آلاف درهم في حين أن أقلّ علاج شهري لطفلها يزيد على راتب والده.
من جهة أخرى، حدّدت مدير عام مركز الطفل للتدخل الطبي المبكر، الدكتورة هبة شطا، التوحد بأنه خلل في عمل وظائف الدماغ، حيث إن الدماغ يستقبل المؤثرات ولا يستطيع تفسيرها، ما ينتج عنه عجزه عن إصدار ردود فعل مناسبة، لافتة إلى أن العلاج السلوكي للتوحد يرتكز على برمجة الدماغ وتأهيل الطفل للدخول إلى المدرسة.
وتابعت أن جائحة «كورونا» أثرت في الحياة بشكل عام، كما انعكس أثر تداعياتها على أصحاب الهمم، خصوصاً أطفال التوحد، الذين باتوا لا يفارقون منازلهم برفقة ذويهم إلا للضرورة القصوى، مضيفة أن «طفل التوحد يحتاج إلى رعاية ومتابعة على مدار الساعة».
وأضافت شطا أن نظام حياة أسرة الطفل المصاب بالتوحد يتغير منذ اكتشاف الإصابة حتى دخوله المدرسة، لأنها تبذل كل ما لديها من موارد لدعمه، لافتة إلى أن الطفل يحتاج إلى برنامج تدخل مبكر، بعد تقييم حالته ما يعني خضوعه لبرنامج تأهيل فردي لمدة ثماني ساعات يومياً، وتراوح كلفة هذا البرنامج ما بين 10 و40 ألف درهم شهرياً، وبعض الأطفال يحتاجون إلى خدمات علاجية إضافية، ما يرفع من هذه الكلفة.
وقالت إن الجهات الخيرية تقدم دعماً بمبلغ 25 ألفاً أو 30 ألف درهم سنوياً، بنسبة تقلّ عن 40% من كلفة البرنامج التأهيلي والعلاجي للطفل سنوياً، مشيرة إلى أن عدم تغطية التأمين الصحي للعلاج، وعدم وجود جهات داعمة لهذه الحالات بشكل رئيس، جزء من الصعوبات التي تواجه أسر أطفال التوحد.
واقترحت شطا إنشاء صندوق لدعم أطفال التوحد، تحت إشراف جهة رسمية، لأن كثيراً من الأسر لا تستطيع توفير المبالغ المطلوبة لعلاج وتأهيل أبنائها مصابي التوحد.
في المقابل، كشفت وزارة تنمية المجتمع لـ«الإمارات اليوم» أنها تعمل على اعتماد سياسة وطنية لذوي اضطراب التوحد، بهدف تقديم أفضل دعم ورعاية ممكنين لهم ولذويهم.
وجاء كلام الوزارة رداً على سؤال عن إمكان الاستجابة لاقتراح بإنشاء صندوق الدعم، الذي قدمه آباء يصطدمون بمشكلات مالية في رحلة علاج أطفالهم المصابين باضطراب التوحد.
وأكدت أن رسوم برامج علاج التوحد في المراكز الخاصة المرخّصة منها، تراوح بين 12 و80 ألف درهم.
وقالت الوزارة إن هناك قائمة معتمدة بأسماء المراكز على مستوى الدولة والرسوم المحددة فيها، وإن الرسوم فيها لا تتجاوز 80 ألف درهم.
كما أكدت وجود مركز للتشخيص تابع لها، يعتمد أفضل المعايير في التشخيص، وتقدم خدماته حالياً للمواطنين فقط.
وتابعت الوزارة أن هناك مراكز خاصة معتمدة منها للتشخيص يمكن الاستفادة من خدماتها، مثل مركز دبي للتوحد، ومركز النور لأصحاب الهمم بدبي، ومستشفى الجليلة، وسواها.
وأكدت الوزارة أن السياسة الوطنية لتمكين «أصحاب الهمم» تضمن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، وهي تستهدف بمحاورها ومبادراتها النوعية والمستمرة، جميع أصحاب الهمم من مختلف الإعاقات، ومن ضمنهم فئة التوحد.
واعتبرت أن محاور السياسة مجتمعة كفيلة بتوفير أطر رعاية مبتكرة لأصحاب الهمم بمبادرات تنموية نوعية على مستوى العمل الحكومي، أو القطاع الخاص أو المؤسسات الأهلية.
6 محاور أساسية
تقوم السياسة الوطنية لذوي اضطراب التوحّد على ستة محاور رئيسة، يركز محور الحماية الاجتماعية والتمكين الأسري على تنفيذ مشروعات توفر سياسات ضمان اجتماعي مناسبة لاحتياجات ذوي الإعاقة من خلال اعتماد تصنيف موحد في الدولة، ومواءمة التشريعات المحلية والقانون الاتحادي مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وزيادة عدد المسجلين في بطاقة المعاق، وربط البطاقة بالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وربطها بالهوية وتوفير مساكن مناسبة.
وتتضمن محاور السياسة محور الصحة وإعادة التأهيل، الذي يُعنى بتوفير رعاية صحية شاملة، ومجموعة من الفحوص الطبية في مراحل ما قبل وأثناء وبعد الولادة للوقاية من الإعاقة.
كما تضم تطوير بحوث ودراسات الإعاقات، والمتلازمات الوراثية، والأمراض النادرة التي تسبب الإعاقة، وإطلاق برنامج وطني للكشف المبكر.
أما محور التعليم، فيركز على تطوير نظام تعليمي دامج في مجالات التعليم العام والمهني والعالي، وتوفير معلمين ومختصين في مختلف الإعاقات والمراحل، وافتتاح تخصصات فرعية لتعليم ذوي الإعاقة من قبل الجامعات والمعاهد.
وتضم محاور السياسة محور التأهيل المهني والتشغيل، حيث يجب العمل على عدد من المبادرات التي تضمن توفير برامج تأهيل مهني تناسب مختلف الإعاقات ومستويات الشدة، وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وإطلاق برامج الشهادات المهنية لهم بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة.
• رسوم طفل التوحّد الدراسية كبيرة، لأنه يحتاج إلى رعاية أكثر وعدد أكبر من المعلمين.
• عدد المراكز الحكومية التي تُعنى برعاية أطفال التوحّد على مستوى الدولة.. قليل جداً.
• رسم الحصة في مراكز التوحّد المتخصصة يراوح ما بين 650 و1000 درهم.
• حياة أسرة الطفل المصاب بالتوحد تتغير منذ اكتشاف الإصابة حتى دخوله المدرسة.