أستاذ جامعي: 3 عوامل ساهمت في انتشار اللغة العربية بـ 9 لهجات مختلفة في المنطقة
أكد أستاذ أول اللغة العربية في جامعة نيويورك أبوظبي، الدكتور ناصر إسليم، أن اللغة العربية تركت بصمة واضحة على اللغات الأخرى، وعلى مفرداتها بشكل خاص حيث تضم المنطقة العربية وحدها أكثر من 9 لهجات مختلفة للغة الضاد إلا أن الفصحى واحدة، مشيراً إلى وجود 3 عوامل ساهمت في انتشار اللغة العربية خارج منطقة شبة الجزيرة العربية وترتب عليها ظهور اللهجات المختلفة.
وتفصيلاً، أوضح إسليم، أن اللغة العربية تُعد واحدة من أقدم اللغات الحية، وظهرت في المنطقة الواقعة شمال غربي شبه الجزيرة العربية، حيث يُعتقد أنّ أصول العرب تعود إلى منطقتيْ الحجاز ونجد التابعتين للمملكة العربية السعودية حاليًا، ثم انتشر العرب من هناك نحو الأجزاء الجنوبية والوسطى من منطقة بلاد الشام، لافتاً إلى أن "العربية" إحدى اللغات السامية، إلى جانب العبرية والآرامية والفينيقية، وتمثل واحدة من أقدم اللغات الحية في العالم، والتي تتميز بتاريخ عريق ونتاج حضاري عظيم. ويتحدث أكثر من 300 مليون شخص حول العالم اليوم العربية بلهجات مختلفة ومتنوعة. كما تشكل اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية الست في الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن انتشار اللغة العربية وتجاوزها حدود شبه الجزيرة العربية تم بفعل عدد من العوامل منها الفتوحات، والتبادل التجاري، والتفاعل المجتمعي مع غير العرب، حيث تركت اللغة العربية بصمة واضحة على اللغات الأخرى، وعلى مفرداتها بشكل خاص، ويتجلى هذا الأثر بوضوح في الدول التي انتشر فيها الإسلام، لا سيما وأن أغلب المصطلحات الدينية التي يستخدمها المسلمون حول العالم هي كلمات عربية فصيحة مثل الصلاة والشريعة والإمام، بجانب ضرورة تعلم كل مسلم للغة العربية، حتى يستطيع قراءة القرآن وفهم كلماته وتفسيره، ويتمكّن من أداء الصلوات، لافتاً إلى أن آثار انتشار الإسلام لم تتوقف على اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية، والتي تأثرت بشكل كبير باللغة العربية، واعتمدت الكثير من المفردات التي يعود أصلها إلى العربية، بل شملت مجالات الهندسة المعمارية والتصميم، والطعام والعلوم والفلسفة.
وقال: إسليم "في المقابل، ضمّت اللغة العربية الكثير من الكلمات من لغات مختلفة كاللاتينية والفارسية والتركية واليونانية وغيرها إلى قاموس مفرداتها. كما لم تكن علامات التشكيل قد ظهرت بعد أثناء انتشار الإسلام في القرن السابع الميلادي، لذا تعين على متعلمي اللغة العربية اتباع منهجية مختلفة قليلًا في تعلمها، واقتباس بعض الكلمات من لغاتهم الأصلية. وتأثرت اللغة المحكية بلهجات السكان المحليين، نتيجة لصعوبة السفر والتنقل في ذلك الزمن".
وأضاف: "وتتشابه اللهجات المتجاورة جغرافيًا فيما بينها، في حين يقل هذا التشابه بازدياد المسافة الفاصلة بين المناطق. فعلى سبيل المثال، تتشابه اللهجة القطرية واللهجة الإماراتية بشدة لدرجة قد يُصعب على غير العرب تمييز أي فرق بينهما، فيما تختلف اللهجة المصرية عن اللهجة الجزائرية اختلافًا جذريًا"،
وأكد إسليم، على أن التعرف على ثقافة الشعوب وقيمها يستوجب الاطّلاع على أمثالها الشعبية، إذ تمثل الثقافة أسلوب حياة المجتمع، ومجموعة الأفكار والعادات التي يتعلمها أفراده ويشاركونها ويتوارثونها من جيل إلى جيل. وتنعكس الثقافة بدقة في الأمثال العربية التي تعبر عن اعتقادات العرب وتقاليدهم وعاداتهم ومعارفهم وأخلاقياتهم التي يتوارثونها عبر الأجيال.
وأشار إلى أن الأمثال، تساعد متعلمي اللغة العربية على التعرف على الثقافة العربية عن قرب. وتدرك التوجهات الحالية في أساليب تعليم اللغات، وخاصة اللغة العربية، أهمية التطبيق العملي للغة التي يتم تعلّمها، حيث تعدى مفهوم تعلم اللغة في سياقها الخاص حدود استخدام اللغة بأسلوب عملي، وبات يشمل دراسة اللغة في سياق الثقافة المرافقة لها. واعتمدت جميع أساليب تعليم اللغات هذه المنهجية، وأدخلت العناصر الثقافية في طرق التدريس مثل الطعام والأفلام والأغاني وأنواع الرقص والفنون البصرية والدين والعطلات المحلية. وأعتمد شخصيًا، بصفتي مدرسًا جامعيًا، على استخدام الأمثال والأفلام والأغاني في محاضراتي لتعليم اللغة العربية للطلاب غير الناطقين بها. وأرى أن هذه العناصر تقدم تعريفًا لطيفًا بالثقافة الأجنبية المختلفة والمربكة أحيانًا.
وقال: " لقد ارتسمت في أذهان الناس في مختلف أنحاء العالم صورة تصور العالم العربي كمكان يشهد اضطرابات لا تنتهي، نتيجة التركيز الدولي على الصراعات الناشبة فيه، ويغفل الكثيرون عن حقيقة أن العالم العربي يضم أمة متعددة الثقافات ومتنوعة التقاليد والقيم. وتلعب دراسة الأمثال والأفلام وأنواع الموسيقى والأغاني، الغنية بثقافة العالم العربي، دورًا أساسيًا وتعريفيًا يعزز هذه الثقافة العريقة. وأتمنى أن يساعد ذلك الجميع على التعرف عن قرب على هذا التراث الثقافي الغني الذي احتفظت به الثقافة العربية. كما آمل أن يساهم التعريف بالثقافة العربية في تطوير أساليب تعليم اللغة العربية، وتعزيز مساعي التقارب والاندماج بين المجتمعات العربية والغربية. ويمكننا، بالاعتماد على دراسة الأمثال العربية البسيطة والشائعة أو من خلال توفير تجارب الإقامة في منازل العرب، رفع سوية الوعي العام تجاه الثقافات الأجنبية، والتعرف على طرق التفاعل بكفاءة وفاعلية مع تلك الثقافات.
وأشار إلى أن غير الناطقين بالعربية قد يرغبون في تعلمها لأسباب شتى، حيث يساعدهم تعلمها على الترقي في الوظائف الحكومية، ويفتح لهم آفاق عمل جديدة في قطاع الأعمال والقطاع الطبي وقطاعات الهندسة والعلاقات الدولية والمنظمات غير الربحية، كما يتيح لهم فرصًا كثيرة للسفر والعمل في الدول العربية، إذ يوفر تعلم لغة جديدة فرصةً للسفر والتعلم في الدول الناطقة بهذه اللغة. ولا تتوقف فائدة تعلم العربية عند حدود اكتساب لغة جديدة وحسب، بل توفر فرصةً ثمينة للتعرف عن قرب على العقائد والتقاليد الإسلامية، لافتاً إلى أنه يتمنى أن يتعرف غير الناطقين بالعربية بشكل أفضل على اللغة والثقافة العربية، والدين الإسلامي العظيم، إذ يؤهلهم تعميق معرفتهم بذلك لتعريف الناس بالعرب والمسلمين بصورة صحيحة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news