فقدان الرعاية الأبوية يعرض الأطفال للانحراف والإدمان
يصف خبراء اجتماعيون تحميل الأم مسؤولية وأعباء تربية الأبناء بشكل كامل بـ«الآفة الثقافية المدمرة» وتحتاج إلى مواجهة وتصحيح وإعادة تأهيل نحو اعتناق ثقافة تؤمن بوجوب تحمل الأبوين مسؤولية مشتركة ومتساوية حتى في أدق التفاصيل اليومية التي يحتاجها الطفل منذ لحظة الولادة، وذلك بعدما تطابقت نتائج دراسات علمية أجريت في دولة الإمارات، تحت إشراف خبراء اجتماعيين، مع دراسات أجريت في بلدن أخرى، أن فقدان الأطفال للرعاية الأبوية خلال المرحلة الأولى من أعمارهم، يؤدي إلى خلل في شخصيتهم ويجعلهم أكثر عرضه من غيرهم للوقوع ضحية للانحراف والانجراف في طريق الإدمان.
ووفقاً لخبير قطاع التنمية والرعاية الاجتماعية بهيئة تنمية المجتمع في دبي، الطبيب النفسي حسين المسيح، الذي شارك في الدراسة التي أجريت في الإمارات، فإن نتائج تلك الدراسات جزمت بأن الشباب الذين يفقدون الرعاية الأبوية قبل سن الـ14، لديهم قابلية كبيرة للجنوح وتعاطي المخدرات.
وأكد لـ«الإمارات اليوم» أن أحد أهم العوامل التي تجعل الفرد عرضة للتعاطي تتعلق بشكل رئيس بعدم التواصل مع الأب خلال السنوات الأولى من حياته بالشكل الصحيح ومعايشته له بشكل لصيق يجعله يتلقى رعاية واهتماماً مباشراً ومكثفاً ويومياً من قبل والده، فيما يؤدي فقدان ذلك إلى خلق فراغ وخلل في شخصيته واضطراب في بنيته النفسية.
وأفاد بأن غياب الأب الكلي أو وجوده الهامشي وغير المؤثر في حياة الأبناء خلال السنوات التي تسبق سن الـ14، يؤدي بشخصية الطفل نحو احتمالات خطرة، وذلك حسب ما أظهرت الدراسة التي كشفت أن الأفراد الذين جنحوا نحو الانحراف، جميعهم فاقدون للرعاية الأبوية.
وتابع أن الدراسات أثبتت أن وجود الأب في الأسرة بشكل فعال مع الأولاد يبني علاقة تمثل نوعاً من الحصانة النفسية والأخلاقية التي تصد عنهم مخاطر الانحراف خلال سنوات المراهقة والبلوغ، لأن التحامه بأبنائه خلال الطفولة يسمح لهم بالتعلم منه كما يرسخ داخلهم أهمية وجود مرجعية أخلاقية في حياتهم تؤسسها السلطة الأبوية والنموذج الأخلاقي للأب.
وعن جذور وجود مشكلة غياب الرعاية الأبوية، قال حسين المسيح إن ذلك مرتبط بثقافة مجتمعية سائدة تعد بمثابة آفة فكرية يجب مكافحتها والتصدي لها، والتي مفادها أن الأب غير مسؤول عن تفاصيل الحياة اليومية للطفل ورعايته، فيما الحقيقة هي أن الأب يجب أن يقوم بدور مهم وحيوي وبناء وعميق إزاء الطفل منذ اللحظة الأولى من ولادته.
وأضاف أنه يجب العمل على التوعية بدور الأب المحوري في حياة الطفل لأن الشائع الخاطئ أن التربية دور الأم وأنها هي التي يجب أن تربي وتتعب وتضحي، فيما يتم إعفاء الأب من تلك المسؤولية وإغفال دوره الذي يعد أساسياً في كل المراحل العمرية منذ الولادة ويعتبر حاسماً ومحورياً في عملية تطور الطفل النمائي.
وأكد أن هذه الثقافة تحتاج إلى تعديل يلغي فكرة أن الأم هي التي تربي بشكل رئيس وكامل، ليحل محلها ثقافة تعي حقيقة أن الطفل بحاجة إلى رعاية متساوية من قبل الأم والأب معاً، وأن الأب يجب أن يتولى المهمات اليومية التي يحتاجها الطفل من مأكل وملبس ولعب واستحمام ونوم وما إلى ذلك من تفاصيل يومية، وذلك لأن تلك التفاصيل هي التي تخلق الارتباط وتسمح بالتعلم وتبني أسساً متينة في شخصية الطفل قوامها الثقة بالنفس والانضباط والامتلاء العاطفي والاستقرار النفسي.
القبول الاجتماعي
أكدت تقارير ودراسات مستشفى «مايو كلينك» أن الاستمرار في تعاطي المخدرات يرجع إلى عدم الشعور بالأمان أو الرغبة في كسب القبول الاجتماعي، وأنه «غالباً ما يشعر المراهقون بأنهم لا يُقهرون وربما لا يتدبرون عواقب أفعالهم، ما يؤدي بهم إلى المجازفة الخطرة بتعاطي المخدرات». ووفقاً لتلك التقارير فإن هناك مجموعة من العوامل التي تشتبك أو تكتمل في تكوين سبب مباشر وملح لتعاطي المراهق للمخدرات منها:
• وجود تاريخ عائلي من تعاطي المخدرات.
• الإصابة بمشكلة صحية عقلية أو سلوكية مثل الاكتئاب أو القلق.
• السلوكيات القهرية أو المنطوية على مخاطرة.
• التعرض لأحداث صادمة، مثل التعرض لحادث أو سوء معاملة.
• قلة تقدير الذات والشعور بالرفض الاجتماعي.
• دراسات علمية: غياب الأب الكلي أو الجزئي يصيب شخصية الطفل بخلل ويقوده لاحتمالات خطرة.