«الحسابات السوداء» منصات سـريعة الاختفاء تبث الشائعات والأخبار الزائفة
كخفافيش تتخفى وراء شاشات مظلمة، لبث سمومها الإلكترونية، تبث حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي، بعضها يحمل أسماءً حركية، أخباراً كاذبة تارة، وتطلق شائعات حول تصريحات أو وعود لمسؤولين، تارة أخرى، فيما تتولى حسابات أخرى طرح موضوعات أو قضايا داخلية مثل «الوظائف والتوطين، والخدمات الحكومية»، ويقوم أصحابها بكتابة تعليقات لإثارة الفتنة وبث الوقيعة والكراهية بين أفراد المجتمع، بهدف تهديد السلم المجتمعي والتأثير في التركيبة الاجتماعية شديدة التسامح المعروفة عن دولة الإمارات.
«الإمارات اليوم» رصدت خلال الأيام الماضية، كماً كبيراً من الحسابات الإلكترونية حديثة المنشأ ومجهولة الهوية، تتسم بسرعة الظهور والاختفاء من على منصات التواصل الاجتماعي، بمجرد إثارة موضوع أو بث خبر كاذب أو شائعة والتعليق عليها، بهدف جذب أو جر مرتادي هذه المنصات لنقاشات شائكة على أمل أن تنتهي بصدامات وخلافات بين الأفراد بعضهم البعض، واستطلعت آراء مسؤولين وخبراء ومختصين، حول إمكانية نجاح هذه الظاهرة في التأثير في السلم المجتمعي للأفراد داخل الدولة، فكان الإجماع على استحالة النيل من «تركيبة التسامح والتعايش» التي يتمتع بها كل من يعيش على أرض الإمارات من مواطنين ومقيمين، لكنهم حذّروا في الوقت ذاته من انسياق الأفراد وراء تلك الحسابات والتفاعل معها حتى ولو من باب تسجيل الاعتراض على ما ينشر بها.
وأكد عضو المجلس الوطني الاتحادي، ضرار بالهول الفلاسي، أن الحسابات الوهمية التي انتشرت في الفترة الأخيرة لتثير الفتنة عبر بث أخبار مفبركة، وصور غير حقيقية، بين أفراد المجتمع مواطنين ومقيمين، تعد أسلوباً جديداً للحاقدين على إنجازات الدولة، مشدداً على أن دولة الإمارات تتميز بشعب وفي مخلص لقيادته ولا تؤثر فيه مثل هذه السموم والفتن التي تحاك من خارج الدولة.
وقال الفلاسي: «تلجأ هذه الفئة المشبوهة والمغرضة إلى إنشاء حسابات وهمية مؤقتة تطرح خلالها تعليقاً أو خبراً كاذباً، ثم يتم الترويج لهذه المنشورات على حسابات مجهولة في منصة «واتس آب»، لتحقيق انتشار أوسع على أمل استفزاز مشاعر مرتادي المنصات الاجتماعية، وجرّهم إلى فتح نقاشات غير مسؤولة، بهدف تجميع أي تعليقات مسيئة وإعادة بثها مجدداً»، مؤكداً أن هذه الرسائل المسمومة التي يطلقها الحاقدون تتزايد كلما زادت مكانة المواطن وزادت حقوقه ومكتسباته.
وأضاف: «دولة الإمارات استطاعت وفي وقت قياسي أن تكون وجهة العالم أجمع اقتصادياً لما تتمتع به من استقرار ومقومات أمنية وفي شتى المجالات، ومن ثم فمن الطبيعي ألّا تعجب هذه المكانة الكثير من الحاقدين، الذين يسعون لبث سمومهم بين أفراد المجتمع، لكنهم تناسوا أن المواطن الإماراتي له مكانته واستقراره الذي يحظى به أمام جميع المجتمعات كونه جزءاً من هذا الوطن، وأن القيادة تضع كل اهتماماتها لخدمة ودعم ومساعدة أبنائها على التقدم والتطور والاستقرار والرفاهية، ونحن جميعاً على أرض الوطن نعيش في ظل قيّم إماراتية أصيلة كالتعايش والتسامح واستقبال الضيف وإكرامه». ودعا الفلاسي المواطنين والمقيمين في الدولة إلى ضرورة التأكد من حقيقة ومصداقية الحسابات التي يتابعونها، وتعزيز ثقافة المسؤولية الذاتية من خلال رفع شعار «البلوك نعمة» لمواجهة مثل هذه الحسابات، معتبراً أن تنامي هذه السحابة السوداء أو انقشاعها، مرتبط في الأساس بمدى الوعي الذي يتمتع به مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي.
وهو ما أيّده عضو المجلس الوطني الاتحادي، عبيد خلفان الغول السلامي، الذي وصف الحسابات المروجة للشائعات وبث الفتن بـ«الحسابات السوداء»، مؤكداً أنها تتبع مجموعات إلكترونية ذات أجندات عدائية وتخريبية، تستهدف ضرب اللحمة الوطنية وعرقلة أي نجاحات تحققها الدولة في الداخل والخارج، من خلال نشر الشائعات والمعلومات والأخبار المفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها أرضاً خصبة لهذه الأغراض.
وأبدى السلامي إعجابه الشديد بالوعي والقوة التي يتعامل بها المواطنون والمقيمون مع هذه الرسائل المسمومة والرد عليها، قائلاً: «أرصد هذه الظاهرة منذ فترة ليست بالقصيرة، كما وجّهت سؤالاً برلمانياً لوزيرة الثقافة والشباب، نورة الكعبي، حول الرقابة على محتوى الأنشطة والمنصات الإعلامية وقت الأزمات، وأتابع الرسائل التي يطلقها أصحاب هذه الحسابات، لكن أكثر ما يدهشني هو ردود الأفعال الواعية والمتحضرة والقوية من المواطنين والمقيمين على مثل هذه الرسائل وأصحابها، وهو أمر يدعو للفخر ويجعلني موقناً أن أبناء هذا الوطن لديهم حاسة التأكد من هوية الحسابات ومصادرها والتصدي لتغريداتها التي تفوح منها رائحة الكراهية والفتن». من جانبها، أكدت أستاذة الإعلام والصناعات الإبداعية بجامعة الإمارات، الدكتورة بدرية الجنيبي، أن الرسائل التي يحملها أصحاب الحسابات الوهمية، تستهدف في الأساس فئة الشباب أكثر من غيرهم من فئات المجتمع، مشددة على ضرورة التزام أولياء الأمور والأسر بتثقيف الأبناء منذ الصغر حول أهمية التأكد من مصداقية المعلومات التي يستقونها، وتعليمهم الفروق بين الحسابات الموثقة والأخرى الزائفة، وطرق الكشف عن الحسابات الوهمية والمعادية، بالإضافة إلى تعزيز وتنمية روح الوطنية وحب الوطن لإكمال الدور الذي تقوم به الدولة والمدارس والجامعات مع الشباب. وقالت الجنيبي: «دولة الإمارات تنعم بتعددية ثقافية غير موجودة في الكثير من دول العالم، وهو أمر قد لا يرضي الآخرين، بل ويدفعهم باستمرار لمحاولة النيل من هذه الميزة المجتمعية، من خلال بث الشائعات والأكاذيب التي تستهدف تمزيق هذا النسيج، ولكن دولة الإمارات تمتلك إمكانات وقدرات بشرية وتكنولوجية هائلة لمواجهة هذه الرسائل المسمومة وخطابات الكراهية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لحماية مواطنيها والمقيمين بها من خطر هذه الشائعات المغرضة». فيما حذّر الخبير القانوني الدكتور يوسف الشريف، مرتادي صفحات التواصل الاجتماعي من التفاعل مع الشائعات، أو أي أخبار أو معلومات مغلوطة أو زائفة، مؤكداً أن إعادة تدوير مثل هذه الرسائل المغرضة مجهولة المصدر، يقود صاحبها إلى مساءلة قانونية وفقاً للمرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، الذي يجرّم تداول أو إعادة تداول الشائعات المغرضة، التي من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو الصحة العامة، وكذلك يجرّم إتلاف أي بيانات أو تعطيل البرامج والمعلومات على أي نظام معلوماتي من دون مبرر قانوني. وقال الشريف: «دولة الإمارات لديها بنية تشريعية وقانونية حديثة جداً بما يمكنها من التصدي لمثل هذه الجرائم الإلكترونية ومواجهة العبث المنتشر على وسائل الاتصال الإلكتروني، لحماية خصوصية الأشخاص ومكافحة الشائعات وجرائم النصب والاحتيال عن طريق التواصل الإلكتروني، والحد من نطاق الاعتداء على الخصوصية باستخدام تقنية المعلومات، سواء على الأشخاص أو الكيانات أو العائلات، من دون رضاء وفي غير الأحوال المصرح بها.
رئيس مجلس الأمن السيبراني: تقنيات ذكاء اصطناعي لكشف الحسابات المُضلّلة
أكد رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، الدكتور محمد الكويتي، أن التهديدات السيبرانية تنقسم إلى ثلاثة أنواع، أولها «الجرائم الإلكترونية»، مثل السب القذف، والتشهير، والابتزاز، والنصب، والاحتيال، وانتحال الشخصية، والاختراق، أو التشوية أو الإشاعة وغيرها من الجرائم، والثاني «الإرهاب الإلكتروني»، والذي يتم عن طريق الترويج للأفكار المضللة التي يتم نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى بعض الأشخاص وتحريضهم على القيام بتهديدات أو من خلال الولوج إلى بعض المواقع وشل حركتها، بينما النوع الثالث يختص بـ«الحروب الإلكترونية» والهجمات السيبرانية بين الدول.
وقال الكويتي لـ«الإمارات اليوم»: «معظم الحسابات المزيفة والوهمية تقدّم رسائل مبطّنة، ومن ثم يجب التصدي لها عند التأكد من كونها مشبوهة، عبر ثلاث طرق رئيسة، أولها، إرسال المعلومات الخاصة بهذه الحسابات إلى الجهات المعنية (أمين، أمان، منصة الجرائم الإلكترونية إي كرايم)، والثانية هي اللجوء لخاصية البلوك أو حظر هذه الحسابات فوراً، من دون التعليق على محتواها بأي شكل من الأشكال.
وأضاف: «وتتمثل الطريقة الثالثة لمواجهة هذه الحسابات في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعرفة نمط أصحاب الحسابات والتأكد من مصداقيتها، ومعرفة الجهة المحرّكة لها وكل المعلومات المرتبطة بها مثل تاريخ الإنشاء»، لافتاً إلى وجود العديد من الشركات المتخصصة في التحقق من هذه الأمور.
وأشار الكويتي إلى أنه رغم تعدّد الطرق التقنية لمواجهة هذه الحسابات المضللة إلا أنه تبقى ثقافة الأمن السيبراني بين الأفراد هي الحل الأمثل والآمن لمواجهتها إذ يكون الشخص نفسه هو الدرع الحصين لنفسه ومجتمعه.
عقوبات
أوضح الخبير القانوني الدكتور يوسف الشريف، أن المادة 52 من قانون الشائعات تقر عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم لكل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، لإذاعة أو نشر أو إعادة نشر أخبار أو بيانات زائفة أو تقارير أو شائعات كاذبة أو مغرضة أو مضللة أو مغلوطة، أو تخالف ما تم الإعلان عنه رسمياً، أو بث أي دعايات مثيرة، من شأنها تأليب الرأي العام، أو إثارته أو تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، أو بالاقتصاد الوطني، أو بالنظام العام، أو بالصحة العامة، مشيراً إلى أنه إذا ما ترتب على الشائعة أو الخبر الكاذب تأليب الرأي العام، ضد إحدى سلطات الدولة، أو إذا ارتكبت بزمن الأوبئة والطوارئ، تصل العقوبة إلى سنتين، والغرامة 200 ألف درهم.
5 طرق تقنية لكشف «الحسابات الوهمية»
أفاد تقرير أعدته هيئة تنظيم الاتصالات، بإمكانية التحقق من الحسابات الوهمية، من خلال البحث عن علامة التوثيق الخاصة بالحساب، والبحث والتدقيق في محتوى الحساب نفسه، لافتاً إلى أن هذه الحسابات عادة ما تكون ساكنة لفترات طويلة، ثم يتم تنشيطها للقيام بدور معين.
وحدّدت الهيئة خمس طرق رئيسة يمكن من خلالها كشف الحسابات الوهمية، أولها التأكد من «اسم الحساب» باعتباره أبرز المؤشرات إلى هوية الشخص، لاسيما أن أسماء بعض الحسابات تتألف من حروف وكلمات مختلطة قد تكون عديمة المعنى، أو قد تتضمن أخطاءً إملائية، منوهة إلى أهمية المقارنة بين اسم الحساب وعنوان الـ«URL» أو رابط صفحة الحساب، للتأكد إذا كان اسم الحساب في الرابط يتطابق مع اسم الحساب في المنصة التي يوجد فيها.
وأوضحت أن الطريقة الثانية تتمثل في مراجعة «صورة الحساب»، كون معظم الحسابات الوهمية تحمل صوراً شخصية «رديئة الدقة» ومن ثم يمكن حفظ الصورة والبحث عنها باستخدام تقنية البحث العكسي التي توفرها محركات البحث، للاطلاع على الصورة والصور المشابهة لها وتاريخ نشرها ومصدر النشر، مشيرة إلى أن الطريقة الثالثة هي التأكد من «تاريخ الحساب»، فإذا كان حديثاً، أي خلال أيام أو أسابيع أو حتى أشهر قليلة، يجب وضع احتمالية أن يكون هذا الحساب وهمياً.
وتتعلق الطريقة الرابعة لكشف الحسابات الوهمية، بمراجعة «عدد المتابعين»، فإذا كان الحساب متابعاً لحسابات أكثر كثيراً من الحسابات التي تتابعه، فقد يكون هذا الأمر مؤشراً على زيفه، عبر استخدامه برامج متابعة آلية للوصول إلى أكبر عدد من الناس، فيما تتمثل الطريقة الأخيرة في اللجوء إلى موقع «بوتو متر» التي تساعد على كشف الحسابات الوهمية بمنصة «تويتر»، وهي المنصة التي يلاحظ فيها وجود العدد الأكبر من الحسابات الوهمية والآلية المزيفة، وذلك عبر وضع اسم الحساب في خانة البحث بالموقع المذكور، على أن يحلل الموقع الحساب المختار، ويعطي نتائج بناء على مقياس من واحد إلى خمسة، فإذا اقترب المؤشر من الرقم خمسة يجب توخي الحذر لكون الحساب غالباً ما يكون مزيفاً أو وهمياً.