العلاقات الاقتصادية الإماراتية المصرية.. تاريخ وحاضر ومستقبل

اتسمت العلاقات المصرية الإماراتية الاقتصادية بالقوة والمتانة منذ اليوم الأول لتأسيس اتحاد دولة الإمارات، وهي علاقات مرشحة دائماً للنمو، وتحمل آفاقاً واعدة في مختلف المجالات، حيث قامت هذه العلاقات الوطيدة على محاور عدة، في مقدمها رؤية الوالد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والتي تجد في مصر ركيزةً للاستقرار السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط، وقلب الأمة العربية النابض، في حين تعتبر جمهورية مصر العربية دولة الإمارات الداعم الأول والسند التاريخي لمصر وللأمة العربية عموماً في مختلف المحافل.

وعلى مر العصور، كانت العقيدة المصرية ثابتة تجاه دولة الإمارات العربية في كونها رمز الأخوة والتسامح بين الأشقاء العرب، و«جزءاً لا يتجزأ» من أمن واستقرار وسلام المنطقة. وانطلاقاً من هذه الرؤية قامت العلاقات بين دولة الإمارات ومصر على فكرة وفلسفة المساندة والدعم في كل الأوقات، بغض النظر عن الظروف والأحداث. وهو ما انعكس بصورة إيجابية على الروابط الاقتصادية العميقة بين البلدين.

ومن المنظور الاقتصادي والاستثماري، فإن المراقب لأبعاد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، يجد أن دولة الإمارات ترى في مصر السوق الكبرى في الشرق الأوسط، وأرضاً خصبة لإقامة مشروعات استثمارية نوعية في مختلف القطاعات.

في المقابل، ومنذ اكتشاف النفط في دولة الإمارات، وبدء حركة النهضة والبناء فيها، أصبحت دولة الاتحاد الوجهة البكر للعمالة المصرية، وصارت اليوم الوطن الثاني والأقرب لقلوب ملايين المصريين.

وتربط دولة الإمارات ومصر شراكة استراتيجية شاملة، وعلى الصعيد الاقتصادي تسهم دولة الإمارات بتنشيط الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، وخلق مصادر محفزة جديدة للاقتصاد المصري، وإيجاد وظائف جديدة، وتشغيل قدر أكبر من العمالة، على نحو يمثل حصة مهمة من مصادر التحويلات المالية التي تشكل ركناً مهماً من رصيد العملات الأجنبية للاقتصاد المصري.

وانطلاقاً مما سبق، يمكن القول إن العلاقات بين البلدين مزجت بين السياسة والاقتصاد، فكان الدعم السياسي الدائم بينهما ينعكس على معظم الشراكات الاقتصادية.

وقد بدأت العلاقة بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومصر، منذ عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وكانت مصر أولى الدول التي أيدت بشكل مطلق إعلان الاتحاد، ودعمته باعتباره ركيزة الاستقرار إقليمياً ودولياً.

كما بادرت مصر بإرسال البعثات التي تضم المعلمين والمهندسين والأطباء، إلى الإمارات قبل ظهور النفط في منتصف الخمسينات، واستقبلت الراغبين في التعلم ونقل العلم والخبرات إلى بلدهم. وأسهم المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في إعادة إعمار مدن قناة السويس، التي دمرت بفعل الحروب.

وفي عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، حافظت علاقة مصر بدولة الإمارات على تميزها، وذلك بسب مواقف المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، العديدة الداعمة لمصر، ومنها إعلان دعمه لمصر في حربها من أجل استعادة أراضيها المحتلة في أكتوبر 1973.

وكرّم المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، عبر منحه «وشاح آل نهيان»، أثناء زيارته القاهرة، حيث كان السادات دائماً يرى في شخص الشيخ زايد الحليف الوفي، وحلقة الوصل المباشرة بين القادة العرب. وظل موقف المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ثابتاً على دعمه لمصر في كل المواقف، وقال جملتهُ الشهيرة: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية».

وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ارتبط البلدان بعلاقات تجارية واستثمارية متبادلة‏، إذ ربطت بينهما 18 اتفاقية تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية، كما ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل متواصل.

وصلت التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات ومصر خلال الفترة من يناير – مايو 2022 إلى أكثر من 14.1 مليار درهم (ما يزيد على 3.8 مليارات دولار)، بنمو وصلت نسبته إلى 6%، مقارنة مع الفترة ذاتها من 2021. وفي عام 2021، وصلت التجارة الخارجية غير النفطية بين مصر والإمارات إلى قرابة 27.8 مليار درهم (ما يزيد على 7.5 مليارات دولار)، بنسبة نمو تصل إلى 7.6% بالمقارنة مع عام 2020.

كما شهد مايو 2022، الإعلان عن الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة تجمع الدولتين، بالإضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمسة مجالات صناعية واعدة ومؤهلة للتكامل والتعاون، وتخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار، للاستثمار في المشروعات المنبثقة عنها.

حلت دولة الإمارات في المرتبة الأولى من بين دول العالم المستثمرة في مصر، وسجلت قيمة الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفاعاً لتصل إلى 1.9 مليار دولار خلال العام المالي 2019-2020، مقابل 712.6 مليون دولار خلال العام المالي 2018-2019، بنسبة ارتفاع قدرها 169.1%. في حين تقدر قيمة الاستثمارات الصادرة من دولة الإمارات إلى مصر خلال الفترة من 2013 حتى 2021 بنحو 16 مليار دولار أميركي (59 مليار درهم).

وفي 2019، تم إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر، بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشروعات حيوية في مجالات اقتصادية واجتماعية، بينما بلغ الدعم الإماراتي لمصر خلال عامي 2013 و2014 أكثر من 51 مليار درهم (ما يعادل 13.9 مليار دولار)، شملت مجالات حيوية كالتعليم والتدريب والإسكان والنقل والمواصلات والرعاية الصحية والأمن الغذائي والطاقة.

وكان البلدان قد وقّعا في أكتوبر عام 2013، اتفاقية لدعم البرنامج التنموي المصري، تقدم بموجبها دولة الإمارات 4.9 مليارات دولار لتنفيذ مجموعة من المشروعات التنموية في مصر. وكانت دولة الإمارات قد أعلنت في عام 2015 حزمة دعم بقيمة 14.7 مليار درهم (ما يزيد على أربعة مليارات دولار)، للشعب المصري الشقيق، تتكون من شريحتين متساويتين في القيمة، إحداهما وديعة في المصرف المركزي المصري، والثانية لمصلحة مشروعات متنوعة في قطاعات عدة.

■ على مر العصور كانت العقيدة المصرية ثابتة تجاه دولة الإمارات العربية، في كونها رمز الأخوة والتسامح بين الأشقاء العرب.

■ في 2019، تم إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر، بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشروعات حيوية.

العلاقات الاقتصادية الإماراتية المصرية في أرقام

تمثل دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية، وتستحوذ على 5.2% من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية. على الصعيد الاستثماري، تعد الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العربي، برصيد استثمارات تراكمي يزيد على 16 مليار دولار (ما يعادل 59 مليار درهم).

وتعمل أكثر من 1300 شركة إماراتية في مصر في مشروعات واستثمارات تشمل مختلف قطاعات الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي. وتستثمر الشركات المصرية في مختلف القطاعات في الأسواق الإماراتية، ومن ضمن أبرز مشروعاتها القطاع العقاري والمالي والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة، والتصنيع والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبناء والنقل والتخزين.

الأكثر مشاركة