أم كلثوم في دار زايد.. بـ «الحـــب كله».. (فيديو)
تمثل زيارة كوكب الشرق الفنانة الراحلة أم كلثوم، لأبوظبي في عام 1971، لإحياء احتفالات الإمارة بعيد الجلوس الخامس للوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبقرب بزوغ فجر دولة الإمارات العربية المتحدة، حدثاً تاريخياً وثقافياً مهماً، إذ تعكس هذه المناسبة الفريدة رؤية الشيخ زايد واستراتيجيته في بناء الدولة منذ البداية، إذ لم يغب عنه، في خضم أعباء تأسيس الدولة، البُعد الثقافي الذي يبرز الدول بهويتها الخاصة وتراثها المميز، وفق ما أوضح سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، في تقديمه لكتاب «أم كلثوم في أبوظبي»، الذي يوثق لهذا الحدث، والذي أصدره الأرشيف والمكتبة الوطنية بالتزامن مع الاحتفال بـ«عام زايد» في 2018.
وأضاف سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان: «كان الحفل الفني والمناسبة التاريخية المهمة إيذاناً ببدء مرحلة جديدة لبلادنا الحبيبة، مرحلة الاستقلال والنهضة والبناء»، مشيراً سموه إلى أن الكتاب يبين للقراء أن أبوظبي كانت وستظل واحة وارفة الظلال للثقافة الجادة والفن الرفيع والموسيقى الراقية.
عيد
ويسرد كتاب «أم كلثوم في أبوظبي»، الذي أشرف عليه الأديب الإماراتي محمد المر، وتضمن مجموعة كبيرة من الصور التي توثق للحدث بعدسة كل من محمد بدر، محمد لطفي، ومحمود عارف، خلفيات الزيارة التاريخية، ومتابعة تفصيلية لذلك الحدث الفني المهم، كما يكشف أن الفنانة الراحلة كانت شاهدة على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن شاركت في الاحتفال بعيد جلوس الشيخ زايد، طيب الله ثراه.
ويشير محمد المر إلى أنه في زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى مصر، والتي كان يترأسها آنذاك الرئيس الراحل محمد أنور السادات (أبريل 1971)، أوفد الدكتور مانع سعيد العتيبة (وزير البترول والصناعة حينها)، وعبدالمنعم الملواني (المستشار الصحافي)، إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لزيارتها في منزلها والتباحث معها لإحياء حفل غنائي في أبوظبي، بمناسبة الأعياد الوطنية، وكانت كوكب الشرق تشكو وعكة ألمت بها في ذلك الوقت، ولكنها استقبلت في فيلتها الوزير العتيبة والملواني اللذين قدما لها تحيات الشيخ زايد، وناقشا معها موضوع زيارتها لأبوظبي وإحياء حفلات غنائية فيها، ورحبت أم كلثوم بالفكرة وأبلغت تحياتها وتقديرها للشيخ زايد.
وأعلنت أم كلثوم بعد قبولها الدعوة أنها ستبدأ موسمها الغنائي الشتوي لهذا العام في أبوظبي، تحية منها للشيخ زايد، طيب الله ثراه.
ونظراً لأن المسارح الموجودة في مدينة أبوظبي آنذاك كانت مسارح دور سينما وأكبر قاعة كانت لا تتسع لأكثر من مئات من المشاهدين، بينما كان عشاق أم كلثوم بالآلاف، لذا أنشئ مسرح مؤقت على أرض النادي الأهلي (الذي أصبح في ما بعد نادي الوحدة) وفي زمن قياسي لا يتعدى ثلاثة أسابيع شيد المسرح وأعد لتكون طاقته الاستيعابية آلاف الأشخاص.
حفاوة كبيرة
ويصف الكاتب محمد المر مشهد وصول أم كلثوم لأبوظبي، بأنه عندما حطّت طائرة الخطوط الجوية الكويتية في مطار البطين بأبوظبي في 26 نوفمبر عام 1971 كان في استقبال سيدة الغناء العربي العديد من الشخصيات الإماراتية المهمة، على رأسها الوزير العتيبة، ومدير دائرة التشريفات في أبوظبي سعيد الدرمكي، ونائب مدير الدائرة علي الشرفا. وفتحت قاعة الشرف بمطار أبوظبي لأم كلثوم تكريماً لها ولدورها الفني الريادي.
ومن المطار انتقلت «كوكب الشرق» - هي والوفد المرافق لها - إلى مقر إقامتها في فندق «العين بلاس، وكان الوفد يضم فرقتها الموسيقية (نحو 42 عازفاً)، وعدداً من الإعلاميين، إلى جانب أفراد من أسرة الفنانة الكبيرة.
بعد وصول أم كلثوم إلى أبوظبي وجهت رسالة شكر نشرت في ما بعد في جريدة الاتحاد، وقالت فيها: «يسعدني أن أوجه هذه التحية على صفحات الاتحاد إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، وشعبه الكريم وأشكركم على الحفاوة التي قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التي وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية. ويزيد من سعادتي أنني جئت في مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد والاستعداد للإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية التي ستضيف إلى الأمة العربية رصيداً جديداً من القوة والدعم».
حفلتان
في مساء 28 نوفمبر 1971، أقيم الحفل الأول لأم كلثوم بحضور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولفيف من كبار الشخصيات، إلى جانب جمهور غفير حتى اضطر حاضرون للجلوس على الأرض أو متابعة الحفل وقوفاً، فقد كانت الطاقة الاستيعابية للمسرح 3000 مقعد، بينما احتشد بداخله ما يقرب من 4000 شخص.
وقدمت كوكب الشرق مجموعة من أغانيها الشهيرة، ومنها «أغداً ألقاك» و«الحب كله». وفي 30 نوفمبر 1971، استقبل الشيخ زايد أم كلثوم في قصر المنهل، وأهداها عقداً من اللؤلؤ مكوناً من 1888 حبة لؤلؤ طبيعية في تسعة صفوف، وتزينها زخرفة إطارية باللونين الأخضر والأحمر.
وعرض متحف اللوفر أبوظبي هذه القطعة النادرة في عام 2019 ضمن معرض تحت عنوان «10 آلاف عام من الرفاهية». وارتدت الفنانة العقد في حفلها الثاني في أبوظبي.
وخلال الزيارة أقامت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، مأدبة عشاء كبرى تكريماً لأم كلثوم حضرتها مجموعة كبيرة من سيدات أبوظبي والدول العربية الشقيقة.
وبعد أن انتهت الفنانة المصرية من زيارتها لقصر المنهل والتي استغرقت ساعتين، قامت بجولة بين معالم أبوظبي، ومن بينها كورنيش أبوظبي. وفي مساء اليوم نفسه، أحيت الحفل الثاني في «دار زايد»، وخصص الريع لصالح المجهود الحربي المصري.
وتزامن ختام زيارة أم كلثوم لأبوظبي مع الحدث التاريخي، إذ بقيت في ضيافة أبوظبي لتشهد اليوم السعيد الذي تمثل في إعلان دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 1971.
وشهدت مراسم رفع علم الاتحاد بقصر المنهل.
وعند مغادرتها لمطار أبوظبي متجهة إلى مطار القاهرة، كان في وداعها وزير الخارجية أحمد خليفة السويدي مع جمع من المسؤولين.
• 28 نوفمبر عام 1971، نظم الحفل الأول لأم كلثوم بحضور المغفور له الشيخ زايد.
• 1888 حبة لؤلؤ طبيعية يضمها العقد الذي أهداه الشيخ زايد لكوكب الشرق.
لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.
للاطلاع على ملحق خاص بمناسبة الاحتفال بـ 50 عاماً من العلاقات الإماراتية المصرية (2-4)، يرجى الضغط على هذا الرابط.
سيدة الغناء العربي:
• «أشكركم على الحفاوة التي قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التي وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية».
عام مفصلي
كان عام 1971 مفصلياً في تاريخ الإمارات، إذ بذل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، جهداً جباراً لتكليل جهوده الاتحادية بالنجاح، والمطّلع على يومياته في هذا العام يجدها حافلة بالزيارات الدبلوماسية لمختلف الدول العربية والعالمية مثل مصر والمغرب وباكستان وبريطانيا، كما يجد أن يومياته حافلة أيضاً بالنشاط السياسي الداخلي الذي تمثل في استقباله العديد من الوفود الدبلوماسية، وفي اجتماعاته المتواصلة مع حكام الإمارات للإعداد للحدث الكبير الذي سيتكلل بإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة.