سلطان القاسمي ومصر التي في خاطره.. الحكاية بدأت قبل أن يشرب من نيلها
يتّسع كتاب المحبة الذي يجمع بين شعبَي الإمارات ومصر، إذ يضم الكثير والكثير من الصفحات، وفي أولها تحضر نماذج مضيئة، وقامات أصيلة، لم تفرّق بين البلدين، اعتبرتهما بمثابة قلب واحد، وكيان أصيل يمتد من ضفاف الخليج حتى النيل، ويأتي في مقدمة تلك الرموز صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي حين تأتي سيرة مصر، يتحدث عنها وكأنها قطعة من قلبه، إذ تعلق سموه باسمها حتى من قبل أن يشرب من نيلها، على حد تعبير مبدع «سرد الذات»، خريج كلية الزراعة جامعة القاهرة، التي اعتزّت وتباهت بخريجها المخلص، إذ ظل سموه دوماً قريباً منها، فمنحته أعلى درجاتها، وهي الدكتوراه الفخرية في العلوم الاجتماعية، واصفة سموه بأنه «يحمل مشاعل النور والحكمة بين أهله وشعبه وشعوب أمته العربية كرمز من رموزها الأصيلة»، علاوة على العديد من الأوسمة والتكريمات التي يستحقها صاحب السمو حاكم الشارقة.
مثال نادر
في حكاية صاحب السمو حاكم الشارقة و«أم الدنيا» - التي في خاطره دوماً - تتجلى ملامح من شعار «مصر والإمارات قلب واحد» والروابط التي تجمع ما بين البلدين الشقيقين وعلاقات الأخوة النادرة المثال، فهو – كما حال بلده – لا ينتظر وقتاً للتفكير حينما يكون «وطنه الثاني» في أزمة، وكما الإمارات تماماً التي تكون أول من يبادر ويهبّ في اللحظات الفارقة، فإن صاحب السمو حاكم الشارقة كذلك، لا ينتظر أن يُطلب منه أو يُستدعى في أي ظرف عصيب تمر به «المحروسة»، والأمثلة أكثر من أن تُحصى، وبسمو رفيع وبمروءة يردّد: «هذه ليست منّة.. بل جزء من رد الجميل لمصر». وفي مناسبة أخرى قال سموه: «نحن مع مصر ولن نتأخر.. فلا أحد يعلم مكانة مصر لدينا».
فحين حُرق المجمع العلمي في القاهرة عام 2011، وأتت النيران على كنوزه، طمأن صاحب السموّ حاكم الشارقة الجميع. وقال سموه ـ كان حينها يجري فحوصاً طبية في باريس ولكنه كان مهموماً بما يحصل في قلب مصرـ إن مكتبته الخاصة تضم العديد من المخطوطات الأصلية التي طالها الحريق في تلك الأحداث المؤسفة، ومنها كتاب «وصف مصر»، وإصدارات وخرائط نادرة سيقدمها هدية محبة لمصر وشعبها. كما تكفّل بترميم المجمع العلمي على نفقته الخاصة وترميم دار الكتب المصرية بباب الخلق، لكي تساعد على حفظ تاريخ مصر.
مبادرات لا تُحصى
مبادرات بالجملة، قدّمها صاحب السمو حاكم الشارقة، تعبيراً عن محبته لمصر في شتى الميادين، وهنا مجرد استعراض لعدد منها في ما يخص جانب العلم والثقافة وأهلها، إذ دعم صندوق معاشات اتحاد كتاب مصر، في عام 2008، بمنحة سخية (21 مليون جنيه مصري)، علاوة على إنشاء دار الجمعية المصرية للدراسات التاريخية في عام 2001، وتطوير مجمع المعامل البحثية الجديد في كلية الزراعة، وإنشاء مكتبة ومركز معلومات بالكلية ذاتها، ودعم المكتبة المركزية الجديدة لجامعة القاهرة، وإنشاء معهد للتدريب والتكنولوجيا بنقابة الصحافيين المصرية الذي تكلف 50 مليون جنيه، وغيرها من المشروعات التي تخدم الباحثين والمثقفين في مصر، إذ أكد صاحب السمو حاكم الشارقة: «جامعة القاهرة علمتني الزراعة، ومصر علمتني الثقافة، وإن فضل مصر عليّ كبير، بل على العالم العربي بأكمله»، كما صرح سموه خلال زيارته لجامعة القاهرة، خلال حفل نظم بمناسبة منحه درع الشخصية المتميزة لعام 2018، تقديراً وعرفاناً لما قدمه للجامعة، وباعتباره أحد أبرز خريجيها، إذ كان الاحتفاء الرفيع في قاعة أحمد لطفي السيد بالمبنى الرئيس للجامعة.
وأضاف سموّه خلال الحفل ذاته: «اعتبروني واحداً منكم لأنني أنتمي لهذه الجامعة التي أسّستني بالفكر الأكاديمي الصحيح، فمصر هي التي أمدّتني بالثقافة التي كان لها الأثر الكبير بحياتي، والتي انعكست بدورها على بلدي».
محبة بالقول والفعل
وتحضر مصر وذكرياتها في كتابَي صاحب السمو حاكم الشارقة: «حديث الذاكرة» و«سرد الذات»، بداية من مشاعره حينما علم بالعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وما صنعه حينها وهو في هذا العمر المبكر، وبعدها زيارة سموه للقاهرة في عام 1965 من أجل الالتحاق بكلية الزراعة، وتفاصيل الطالب الذي آثر الزراعة على الطب وغيرها من كليات القمة، والمحطة المفصلية في عام النكسة، ومشاعر يفصلها سموه شعراً ونثراً وأفعالاً.
وبعدما تقلّد سموه الحكم في الشارقة، زار في يوليو عام 1973، مدينة السويس، وبعض المواقع الأمامية للقوات المسلحة المصرية على الجبهة، وشاهد خلالها خط بارليف، والتحصينات المقامة عليه، واجتمع بالضباط والجنود، وحيّاهم على الروح العالية، مؤكداً لهم إيمانه بانتصارهم في معركتهم المقبلة، وبالفعل كان النصر بعدها بأشهر قليلة في أكتوبر.
حاكم الشارقة:
«مصر أمدّتني بالثقافة التي كان لها الأثر الكبير بحياتي، والتي انعكست بدورها على بلدي».
محل الإقامة.. «عاش هنا»
في لمسة وفاء، أدرجت الحكومة المصرية، أخيراً، محل الإقامة السابق لصاحب السمو حاكم الشارقة، أثناء دراسته في القاهرة، ضمن مشروعها الرائد «عاش هنا» الذي يحتفي بأهم الشخصيات التاريخية والثقافية التي عاشت بأرض الكنانة، وأسهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر.
وكان عنوان سكن سموّه في القاهرة خلال دراسته: 7 أ شارع أبي إمامة – الدقي – الجيزة.