دبي سبقت عصرها بمشروعات عملاقة مبتكرة
انطلقت أمس في دبي، «حوارات الابتكار»، التي ينظمها المجلس التنفيذي لإمارة دبي، بمشاركة رؤساء وممثلي الجهات الحكومية في دبي والقطاع الخاص، بالتزامن مع فعاليات الدورة الثامنة من شهر الابتكار «الإمارات تبتكر 2023».
وأكد الأمين العام للمجلس التنفيذي، عبدالله محمد البسطي، على الدور المحوري للابتكار في تعزيز تنافسية دبي ودولة الإمارات وضرورة مواصلة الاستثمار في العنصر البشري لمواكبة التطور الذي يشهده العالم.
وقال في كلمة الافتتاح: «أهم ما في الابتكار هو قدرة التفكير بطريقة شاملة، فالابتكار أكبر من مجرد تطور تقني، فهو في حقيقة الأمر قيمة متكاملة تتمثل في قدرتنا على رؤية التحدي والبحث لها عن حل مبتكر ونوعي. المهم في الابتكار هو أن يكون تفكيرنا بلا حدود، فأي حدود للفكر سيكون نتيجتها تقييد الابتكار».
وأضاف أن تجربة دبي عبر تاريخها تجسد هذا المفهوم قائلاً: «في العقد الخامس من القرن الماضي، تبنى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، مشاريع عملاقة مبتكرة سابقة لعصرها بمعايير ذلك الوقت، مثل توسعة الخور وبناء الميناء والمطار، وسار على المسار نفسه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي أعاد ابتكار دبي لتصل إلى ما وصلت إليه الآن».
وتابع البسطي: «رغم أن تلك المشاريع لم تكن مفهومة للكثيرين آنذاك، إلا أنها مثلت الرؤية الاستشرافية لدبي وقيادتها وسمحت لها اليوم بأن تكون في المكانة الرائدة التي تحتلها عالمياً، فقد كان الكثير معارضاً لمشروع ميناء جبل علي والآن هو من أكبر موانئ العالم، كما رأينا الكثير من النقاش حول المترو عند بدء التفكير في إنشائه، وأثبت المترو جدواه وطابعه المستقبلي، وينقل أكثر من 800 ألف شخص يومياً، وأصبح مشروعاً لا يمكننا تخيل دبي بدونه».
ولفت إلى أهمية الابتكار في تعزيز تنافسية إمارة دبي ودولة الإمارات، مشيراً إلى أن التحدي الدائم هو إعداد الكفاءات والموارد البشرية القادرة على تحويل الابتكار إلى ثقافة كاملة في مختلف مناحي الحياة والعمل.
وشدد البسطي على أهمية الفعالية والأنشطة المماثلة خلال شهر «الإمارات تبتكر 2023»، مؤكداً أن دبي ستقدم على مدار الأيام الثلاثة تجارب نوعية من القطاعين العام والخاص ستعزز من مفهوم الابتكار وآلياته.
وشهدت فعاليات اليوم الأول جلسة رئيسة تحت عنوان «الإمارات ومأسسة استشراف المستقبل» تحدث فيها الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، خلفان بلهول، حول نظرة دبي تجاه تعزيز مكانتها الرائدة عالمياً وتحقيق هدفها بأن تكون مدينة المستقبل.
واستعرض تجربة دبي ودولة الإمارات في التحول خلال عقود قليلة من دولة في بداية مراحلها التنموية إلى مركز تجاري وسياحي عالمي من خلال رؤى الآباء المؤسسين الذين واصلت قيادة الدولة السير على نهجهم قائلاً: «الفكر الاستشرافي بدأ منذ التأسيس، وحوّل الدولة إلى حاضنة لأكثر المطارات والموانئ ازدحاماً في العالم وأصبحت دولة الإمارات مقراً عالمياً لتكنولوجيا الجينوم والذكاء الاصطناعي».
وأثنى بلهول على الرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي كان لرؤيته دور جوهري في مأسسة الفكر الاستشرافي في دبي من خلال «مؤسسة دبي المستقبل» التي يقود مسيرتها رئيس مجلس أمنائها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وتعمل وفق منهجيات واضحة لاستشراف الفرص المستقبلية على الأمدين البعيد والمتوسط، مع دراسة تأثيراتها والتعرف إلى تداعياتها وتطوير التشريعات المواكبة لها.
وعدّد بلهول بعض المشاريع الرائدة والفعاليات المحلية والعالمية التي تشرف عليها المؤسسة في مجال الابتكار، وبينها «منتدى دبي للمستقبل» و«ملتقى دبي للميتافيرس» و«أكاديمية دبي للمستقبل» و«مبادرة مليون مبرمج عربي»، إلى جانب «صندوق حي دبي للمستقبل» الذي يدعم البيئة الابتكارية، وكذلك «متحف المستقبل» الذي جذب مليون زائر في سنته الأولى، ليجسد فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ونظرته لمستقبل الإنسانية جمعاء.
كما لفت بلهول إلى المحاور التي تراها المؤسسة محورية في السنوات المقبلة لمستقبل الإنسانية وتحتاج إلى تركيز الجهود الابتكارية على المستويين المحلي والدولي، في مقدمتها الطاقة والأمن السيبراني والحلول الذكية لتعزيز التجارة وتطوير التشريعات لمواكبة الواقع الرقمي ومستقبل التعايش مع الروبوتات المستقلة، خاتما بالدعوة إلى إعادة تحديد الأهداف الإنسانية بحيث يبقى الإنسان هو الأساس وفق ما يؤكده دائماً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
كما انعقدت جلسة حوارية بعنوان «الابتكار والاقتصاد في قطاع الإعلام» تحدثت فيها نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، منى غانم المرّي، والمدير العام لسلطة دبي للتطوير، مالك آل مالك، فيما أدار الجلسة مدير الأخبار الاقتصادية في مؤسسة دبي للإعلام، مروان الحل.
وشددت منى المرّي على أهمية دعم الابتكار في قطاع الإعلام، باعتباره من بين القطاعات الأكثر تأثراً بالتطورات التكنولوجية من جهة، إلى جانب امتلاك دبي البنية التحتية المثالية لعملية الابتكار، سواء من خلال وجود مؤسسات مثل «مؤسسة دبي المستقبل» أو بيئات حاضنة مثل «مدينة دبي للإعلام» و«مدينة دبي للإنترنت» التي كان تأسيسها خطوات سبّاقة جسّدت فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأسهمت في تحويل دبي إلى مركز للمتخصصين والتكنولوجيا على مستوى العالم.
ولفتت المرّي إلى الدور الكبير الذي يلعبه مجلس دبي للإعلام برئاسة سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، والذي ينظر إلى قطاع الإعلام نظرة شمولية باعتباره جزءاً من اقتصاد الإمارة، ويتعاون بالتالي مع الكثير من الجهات المحورية والتخصصية الداعمة لاقتصاد دبي، مثل هيئة الثقافة والفنون في دبي ودائرة الاقتصاد والسياحة.
وأشارت إلى أن المتغيرات اليوم تطال كافة قطاعات الإعلام، بما يشمل الترفيه والموسيقى وسواها، داعية إلى أن يكون تطوير المحتوى العربي أولوية في السنوات الخمس المقبلة من أجل تمكين الاستفادة من حلول الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي».
بدوره، استعرض مالك آل مالك نموذج دبي في تأسيس اقتصاد المعرفة، مشيراً إلى أنه يرتكز على خمسة مبادئ أساسية، وهي البيئة التشريعية الداعمة، البنية التحتية الأساسية، وبيئة تطوير الأعمال، وتوفير الخدمات التي تحتاجها هذه القطاعات، واستقطاب الشركات العالمية لدعم هذه البنية.
ولفت إلى أهمية نموذج مدينة دبي للإعلام عند انطلاقتها في الترسيخ لمفهوم الابتكار قائلاً: «عند انطلاق المدينة الإعلامية كنا أول دولة في العالم تطبق اتصالات IP عالمياً بهذا الحجم. اليوم نحن في المركز الثاني عالمياً باستخدام انترنت الجيل الخامس 5G».
كما شهدت فعاليات اليوم الأول انعقاد ندوة معرفية بعنوان «ثقافة الابتكار في أمازون»، حيث تطرق رئيس الابتكار في أمازون - الشرق الأوسط وإفريقيا، فيصل إقبال، إلى أساليب الابتكار المتبعة في أمازون قائلاً: «أهم آلية للابتكار لدينا هي العمل بطريقة عكسية. عند التخطيط لإطلاق منتج جديد، نبدأ بالعمل على المواد التعليمية المتعلقة به مثل البيان الصحافي والأسئلة الشائعة وغيرها، بالإضافة إلى تصميم المواد المرئية، وذلك لقياس ودراسة مدى سهولة إيصال المعلومات المتعلقة بالمنتج للجمهور».
ولفت إقبال إلى أن هذه المقاربة جاءت نتيجة إدراك أمازون أن فشل المشاريع مرتبط بشكل كبير بصعوبة القدرة على التعبير عنها وعن مزاياها بوضوح.
وتابع إقبال: «تقوم فلسفتنا على تكوين فرق صغيرة لا تضم أكثر من ثمانية أشخاص، وذلك لضمان سرعة الأداء والإنجاز، وتعزيز خصال تحمل المسؤولية والاستقلالية، ونحرص على أن يكون لكل فريق وكل قائد هدف استراتيجي واحد، وهذا يعزز حس المسؤولية والمساءلة، هذه هي الطريقة التي تنشأ بها مؤسسة يتم فيها تمكين الأشخاص حقاً من الابتكار».
وتحت عنوان «علوم الفضاء والابتكار»، انعقدت ندوة معرفية تحدث فيها مدير أول إدارة الشؤون الإدارية في مركز محمد بن راشد للفضاء، المهندس محمد الحرمي، عن مشاريع الفضاء في الدولة بشكل عام، والتي تجسد مفاهيم الابتكار التي رسخها قبل عقود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس الدولة، والتي بلغت ذروتها حالياً مع برامج استكشاف المريخ والقمر والزهرة.
ولفت الحرمي إلى مستوى تطور مشاريع الفضاء والكفاءات البشرية الوطنية في الدولة، مضيفاً أن نسبة التوطين في مركز محمد بن راشد للفضاء بلغت 100%، في حين لا يزيد متوسط الأعمار بين فريق العمل عن 26 سنة.
وأشار إلى المساهمة النوعية لقطاع الفضاء في تطوير الابتكار على مستوى دولة الإمارات وإطلاق قطاعات جديدة مثل الصناعات المرتبطة بالشرائح الذكية وأشباه الموصلات، إلى جانب بدء تأسيس شركات رائدة في التكنولوجيا داخل الدولة للمساهمة في المشاريع.
وشدد الحرمي على أهمية برنامج الفضاء في تشكيل وعي الجيل الجديد وتحفيزه على تبني ثقافة الابتكار قائلا: «برنامج الإمارات لرواد الفضاء برنامج رائد يسهم في توعية الأجيال القادمة بأهمية الابتكار والعلوم، خاصة أنه في الفضاء تجتمع الإنسانية دون أي اعتبارات أخرى، وتعمل بشكل مشترك لاكتشاف طرق أفضل للزراعة والصناعة والعيش والحياة».
وتطرق إلى برنامج «طموح زايد 2» حيث سينطلق رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي خلال أيام قليلة إلى محطة الفضاء لمدة ستة أشهر سيدرس خلالها تأثير تغير المناخ على جسم الإنسان، إلى جانب 19 تجربة علمية تشارك فيها الكثير من المؤسسات البحثية والعلمية من الدولة وخارجها.
وأشادت منسق شهر الابتكار لإمارة دبي، شرينة لوتاه، بفعاليات اليوم الأول من «حوارات الابتكار» وما مثلته من تعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لإبراز أهمية ثقافة الابتكار ودورها المحوري في نموذج دبي التنموي قائلة: «تهدف حوارات الابتكار إلى الترويج لقصص النجاح في دعم الابتكار وتعزيز تنافسية الدولة وريادتها. نشكر مركز محمد بن راشد للابتكار على دعمه الدائم والتزامه بتثقيف المجتمع».
من جانبها، قالت استشاري أول ببرنامج دبي للتميز الحكومي، مها السويدي: «شهدت جلسات اليوم الأول موضوعات محورية متنوعة عن الابتكار الذي تبنته دبي والإمارات كثقافة وقيمة شاملة، خصوصاً على المستوى المؤسسي في الجهات، بالإضافة إلى تبني الأفكار الخلاقة لتسهيل حياة الناس بل وخلق الفرص المختلفة».
أفضل شباب العالم
أكدت نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، منى غانم المرّي، أن دولة الإمارات بفضل شبابها القادرين على قيادة المستقبل، والذين يعتبرون بين أفضل شباب العالم وأكثرهم كفاءة بفضل الاستثمار الحكومي في التعليم والتكنولوجيا والبنية التشريعية والرقمية، قادرة على قيادة المستقبل الابتكاري في مجال الإعلام وتعزيز الدور العربي والمساهمات الإنسانية في القطاع بشكل عام.
حوارات الابتكار
تأتي سلسلة جلسات «حوارات الابتكار» بتنظيم المجلس التنفيذي لإمارة دبي خلال فعاليات «الإمارات تبتكر 2023» تأكيداً على أهمية تبني الابتكار والترويج لثقافته وتوفير الموارد المطلوبة، خصوصاً في تقديم الخدمات، وزيادة فعالية الإجراءات والمواكبة السريعة للتطورات التقنية والتكنولوجيّة الحديثة.