الإبل في حتا.. إرث يتجدد وتاريخ وفاء وسط الجبال
تقدّم مدينة حتا لوحة ساحرة تنطوي على تاريخ غني وثقافة عريقة في ظل جبالها الخلابة وجمال طبيعتها، فمنظر أبنائها مع شروق الشمس وهم يتجهون إلى عُزب الإبل في أعالي جبالها، يعكس هوية المدينة وجزءاً لا يتجزأ من خيوط الحياة للقبائل التي تعيش فيها.
وتظل تربية الإبل فناً تراثياً يتأصل بعمق في حياة سكان حتا، حيث يمتد تاريخها العريق في البيئة الجبلية الفريدة، وليس الجمال البصري لمناظر الإبل وهي تتجول بين قمم جبالها الرائعة هو المظهر الوحيد، بل يمثل أيضاً تعبيراً حياً عن التمسك بقيم التراث والوفاء للجذور العميقة.
والأمر اللافت هو أن الشباب والشابات يحملون هذا التراث بكل اهتمام ورعاية، حيث يقومون بتربية الإبل بأيديهم، ويعكس هذا الاهتمام من قِبلهم تفاعلاً حيوياً مع التراث، ويبرز استمرارية الارتباط بالقيم والتقاليد، ما يعزز تحولاً مستداماً لتراث حتا في قلب الحاضر.
ويتحدث المواطن أحمد محمد سعيد الهاشمي البدواوي، أحد أبناء حتا، عن دور الإبل في حياة سكان حتا على طرف عُزبة الإبل الخاصة به، ويقول: «تاريخ الإبل في مدينة حتا يعود لأجدادنا الذين يروون قصة رائعة في استخدامها كوسيلة حيوية للتنقل والترحال، وكذلك لنقل البضائع بين المدن، إذ كانت القوافل تغادر من المدينة إلى إمارة دبي في مسيرة تمتد ثمانية أيام، فتكون الإبل هي الرفيق في هذه الرحلات الطويلة».
وأضاف أن «الماضي كان يرتبط بشكل لا ينفصل برعاية الإبل واعتمادها كوسيلة للنقل ومصدر للدخل، وبالزراعة كجزء من نمط الحياة. ورغم عدم تجربتي الشخصية لتلك الفترة فإنني أشعر بأهمية الاحتفاظ بهذا التراث وتوريثه لأبنائي، فهذا الالتزام ينبع من حب الحفاظ على الروح التاريخية للمدينة وتجذّرها العميق في تراثها المتين، لكي يظل حياً خالداً في قلوب أبنائنا».
وكان والد البدواوي مزارعاً إلا أنه قرر التحول إلى تربية الإبل، على الرغم من عدم الحاجة الملحة إليها في وقتنا الحالي، مثلما كان عليه في الماضي، حين كانت تستخدم في التنقل والعديد من الاحتياجات اليومية، مشيراً إلى أن قراره جاء من رغبته القوية في الحفاظ على خريطة المدينة وشواهدها التاريخية، وإسهاماً منه في ربط الماضي بالحاضر.
وعلى الرغم من الكلفة الباهظة لتربية الإبل ورعايتها، فإنه يستمتع بإحياء هذا التراث ويشعر بالرضا للإسهام في استمراريته، إذ قام بتعليم ابنه وابنته الشابين كيفية رعاية الإبل والاهتمام بها حتى أصبحا متعلقين بها بشكل كبير، وفي فترة ما بعد ساعات عملهما يتوجهان إلى الإبل عصراً لرعايتها بحب واهتمام، ما يعكس الفخر والارتباط العميق بتراث مدينتهما. وبعيداً عن ضغوط الحياة، تتجلى قيمة الوقت الذي يقضيه البدواوي مع أسرته في عُزبة الإبل الخاصة به في أعالي جبال حتا، ويجدون هناك هدوءاً وسكينة يخلصانهم من صخب الحياة اليومية. ويضفي الانعزال الهادئ قرب الإبل طابعاً خاصاً على تلك اللحظات، حيث تتناغم العائلة مع بيئة تعودت على تقدير الطبيعة ورونق التراث، إذ يزيد اقتراب العائلة من الإبل من الارتباط العاطفي بينهم.
ونوّه بأن الطفل الذي يترعرع محاطاً بحب الإبل ويزورها بشكل دوري يكتسب تأثيراً فريداً على تكوين شخصيته، فيتأصل في تراثه بطريقة فريدة ويُشبع بروح الارتباط العميق بين الإنسان والحيوان، وتظهر عليه النباهة وطريقة الكلام الموزونة والصبر والفطنة في فهم تفاصيل الطبيعة، والإرث الثقافي الذي يحمله معه، فيتجلى ذلك في تطويره للوعي البيئي وتشكيلة لروابط قوية مع التراث والبيئة المحيطة به.
وأشار إلى أن مدينة حتا تُنتج سلالات ممتازة من الإبل، ما يثير اهتمام الأشخاص المشاركين في سباقات الهجن الذين يقومون بشراء صغارها التي يُطلق عليها «البكر أو القعود»، ويقومون بتدريبها للمشاركة في المضامير المخصصة لها، لافتاً إلى أن عملاءه يؤكدون جودة الإبل من هذه السلالات، حيث يُثبت البكر أو القعود الذي تم شراؤه من حتا، وجوده في الميادين، ما يجعلهم يهتمون بأمهاتها من النوق، بهدف حاجتهم إلى الاستمرار في الشراء من السلالة نفسها.
• الجمال البصري لمناظر الإبل وهي تتجول بين الجبال هو تعبير حي عن التمسك بقيم التراث والوفاء للجذور.
• اهتمام الشباب والشابات بتربية الإبل يعكس تفاعلاً حيوياً مع التراث، ويبرز استمرارية الارتباط بالقيم والتقاليد.