الوجه الآخر لبذخ «مشاهير الاستعراض».. عنف زوجي ومراهقون محبطون

حذرت دائرة القضاء أبوظبي، مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من الانسياق وراء الحياة المثالية التي يروّج لها مشاهير التواصل الاجتماعي للحصول على أكبر عدد من المتابعين، حيث تتسبب هذه الحياة المزيفة في تعكير صفو الحياة الأسرية بين الأزواج بشكل يهدد استمرارها، كما حذرت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي من أسلوب الحياة الباذخة الذي أصبح منتشراً على وسائل التواصل، وأثر سلباً في كثير من المراهقين والشباب، وباتوا يرفضون واقعهم، فيما دعا اختصاصيون اجتماعيون إلى وضع خطط وبرامج توعوية لمواجهة إشكالية الانشغال المزيف لأفراد الأسر بوسائل التواصل الاجتماعي، مشددين على أهمية التكاتف والتعاون من أجل تحقيق الحماية من هذه المخاطر، والمحافظة على استقرار المجتمع وهويته.

وتفصيلاً، حذرت دائرة القضاء أبوظبي، ضمن حملة توعية بجرائم العنف الأسري، من الانسياق وراء ما يقدمه بعض «مشاهير التواصل» الذين يسعون فقط وراء الربح من خلال زيادة عدد المتابعين، قائلة: «عندما نقارن أنفسنا بمن ينشرون من فيديوهات وصور لأنفسهم في (السوشيال ميديا)، تظهر لنا حياتهم السعيدة والناجحة والجميلة، دون أن ندرك أن ما يعرضونه قد يكون حياة صورية مزيفة أو معدلة أو ناقصة أو حتى مختارة بعناية لأجل تحقيق أكبر عدد ممكن من «اللايكات» والمشاهدات والمتابعات، ما يجعل متابعيهم من الأزواج خصوصاً، أشبه بقنابل موقوتة معرضة للانفجار في أي وقت، وقد يتطور ذلك إلى أن تصل الحال إلى درجة العنف في التعامل بين الأزواج، بسبب ما يتولد لديهم من الإحساس بأنهم غير سعداء، لأن هناك الكثير من الأشياء التي تنقصهم في حياتهم، والطرف الآخر لم يقم بتوفيرها لهم.

من جانبها، أكدت دائرة تنمية المجتمع أبوظبي، أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي منصات لاكتساب المعرفة والتعلم والتواصل مع الآخرين، وليست للتنافس والاستعراض وادعاء المثالية، مشددة على أن كل ما تراه أعيننا عبر هذه المنصات ليس بالضرورة حقيقياً وواقعياً، محذرة من أن الحياة الباذخة، والمظهر الخارجي المثالي، وأسلوب الحياة الفارهة، أصبحت هي المسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت هذه الوسائل منصة للاستعراض والتنافس والمقارنة.

فيما حذرت الاختصاصية النفسية، سها مطر، من الانسياق وراء ما يبثه بعض مشاهير التواصل على صفحاتهم، وتصديق نمط الحياة الذي يصدرونه لمتابعيهم، مشيرة إلى أن حياة المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً «إنستغرام»، تشعر الزوجات بالإحباط، حيث تظهر حياتهن دائماً مثالية، وطوال الوقت في كامل زينتهن، ولا يوجد لديهن أي مشكلات حياتية، وجميع عطلاتهنّ يقضينها في أماكن سياحية وسفر ورحلات، محذرة من أن السعي لتقليدهن لن يفلح، ويولد لدى النساء شعوراً بسوء الحظ ينتج عنه الضغط والإحباط وعدم الرضا عن حياتهن طوال الوقت.

وأيدتها في الرأي المستشارة الأسرية ريم عبدالله، مشيرة إلى أن بعض مشاهير التواصل الاجتماعي يقدِّمون نمط حياة متكلفاً، يشعر كثير من المتابعين، خصوصاً الأزواج، أن حياتهم بائسة، ما يؤثر في سلوكهم ونظرتهم إلى الحياة، ويجعلهم غير راضين عن حياتهم الواقعية، ويحلمون بالسيارات الفارهة والشقق والمنازل الفخمة، وقضاء معظم أوقاتهم في السفر والسياحة والإقامة في الفنادق العالمية، وتناول الطعام يومياً في مطاعم خمس نجوم.

من جانبه، أكد الأخصائي النفسي، الدكتور أحمد السيد، أن ما يبثه بعض مشاهير التواصل الاجتماعي من مقاطع مبالغ فيها وغير حقيقية، أثرت في الحياة الأسرية لكثير من الأزواج، وخلقت في كثير من الأحيان مشكلات بين الطرفين، فكل طرف بات ينظر إلى الآخر ويقارنه بما يراه على صفحات مشاهير التواصل من النساء والرجال أيضاً، وبات يوجه لشريك حياته تهم التقصير، سواء بالقول أو بالنظرة، محذراً من أن الاستغراق في متابعة المشاهير يؤدي في النهاية إلى فشل العلاقات الزوجية وهدم الأسر.

وقال: «حياة مشاهير (التواصل)، مغرية بالمتابعة، إلا أنها سلاح ذو حدين، حيث يحاول المتابعون بعد فترة تقليدها، اعتقاداً منهم أنها حياتهم الحقيقية، ومن حقهم أن يعيشوا حياة مثلها مملوءة بالسفر والمرح والرفاهية، والرومانسية، فيفاجؤون وقتها باستحالة تحقيق هذه الحياة، لما تتطلبه من وقت وأموال بشكل يتعارض مع طبيعة الحياة والعمل»، مشيراً إلى ضرورة أن يضع الأفراد نصب أعينهم خلال متابعتهم مشاهير التواصل الاجتماعي أن حياة هؤلاء الأفراد ليست مثالية أو كاملة، وأن ما يشاهدونه ما هو إلا مهنة يحاول أصحابها إبهار المشاهدين ليتكسبوا من وراء زيادة المتابعين.

وأجمع اختصاصيون اجتماعيون، محمد نصير، ومنال عرفة، وياسمين خالد، أن كثيراً من المشاهير على مواقع التواصل يسعون وراء هدف تجاري بحت، يتركز في تحقيق أعلى نسب مشاهدة للمقاطع التي يبثونها والحصول على أكبر عدد من الـ«فولو» و«اللايك» و«الشير»، لزيادة الأرباح والحصول على إعلانات أكثر، ولا يهمهم من قريب أو بعيد التأثير السلبي الذي يتركونه في متابعيهم، مشيرين إلى ضرورة توعية الأفراد ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بأهمية التفريق بين المحتوى الهادف، والمحتوى «الفارغ التجاري»، حتى لا يقعوا فريسة لبعض المنتفعين، بالإضافة إلى وضع خطط وبرامج توعوية لمواجهة إشكالية الانشغال المزيف بوسائل التواصل الاجتماعي، وقضاء أفراد الأسرة ساعات طويلة في الفضاء الإلكتروني عبر هواتفهم، تصل إلى 12 ساعة يومياً، سواء في المنزل أو العمل أو في الخارج، حيث يُعد هذا الانشغال سبباً رئيساً لزيادة أعداد مشاهير «السوشيال ميديا» نتيجة الأرباح التي يتم تحقيقها وزيادة أعداد ضحاياهم.

«تنمية المجتمع» بأبوظبي: 

• مواقع التواصل الاجتماعي منصات لاكتساب المعرفة والتعلم والتواصل وليست للتنافس والاستعراض وادعاء المثالية.

«قضاء أبوظبي»:

• ما يعرضه مشاهير على (السوشيال ميديا) حياة صورية مزيفة أو معدلة، تتسبب في زيادة وتيرة العنف الزوجي.

خداع

أكدت دائرة تنمية المجتمع أبوظبي، أن استعراض الحياة الباذخة، والمظهر الخارجي المثالي على مواقع التواصل الاجتماعي، أثر سلباً في كثير من المراهقين والشباب، الذين أصبحوا يعيشون حالة المقارنة المستمرة، والمحاولة الدائمة للتقليد والوصول إلى المستوى الذي يشاهدونه على وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أصبحوا يرفضون واقعهم، وفي حال عدم القدرة على الوصول إلى الحالة التي يقارنون بها أنفسهم، يدخلون في حالة من الاكتئاب ورفض الذات والواقع.

وأشارت إلى دراسة عالمية أظهرت أن المراهقين الذين يقضون أوقاتاً أطول على الإنترنت، وبسبب عملية المقارنة يعانون نظرة ذاتية سلبية متعلقة بمظهرهم الخارجي، لافتة إلى أهمية دور الأسرة في متابعة أبنائها، وتعزيز الثقة في نفوسهم، وزرع القيم الإيجابية، كقيمة العمل والرضا والستر، والتأكيد على أن أهم هذه القيم هو أن السعادة لا تكمن في الاستهلاك، ولكن في الغنى الداخلي والرضا.