«كارلفت الطلبة».. رحلة مخاطر تبدد أحلام البراءة
حذّر مختصون من اعتماد الأسر على السائقين غير المرخصين (الكارلفت) لنقل الأبناء إلى المدرسة، لما تنطوي عليه رحلاتهم من مخاطر، مثل الإهمال أو التنمر أو الإيذاء اللفظي أو التحرش أو التعنيف، وهي مكاره تهدد حياتهم، وتبدد أحلامهم المستقبلية البريئة.
فيما أكد أطباء أن ترك الأطفال في السيارة، سواء كانت في حال تشغيل أو متوقفة، دون مرافق بالغ، يهدد بتعرضهم للاختناق، بسبب نقص الأكسجين، وتزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون، مؤكدين أن عملية موت الطفل تبدأ بعد نحو 30 دقيقة من تركه داخل السيارة المغلقة.
معايير السلامة
وتفصيلاً، قالت مدير عام إدارة سلامة الطفل بالشارقة، هنادي اليافعي، إنه «عند التعامل مع الأمور الحساسة بشكل عام، يجب أن نضمن استيفاء كل معايير الأمن والسلامة، لكن فيما يتعلق بسلامة أطفالنا يجب ألا نترك ثغرة واحدة، لذلك ننصح باعتماد وسائل مضمونة ورسمية لنقل الأطفال من المدارس وإليها، وأن نختار أشخاصاً مؤهلين ومدربين على التعامل مع الأطفال في حال وقوع طارئ، فمهمة السائق ليست فقط القيادة بأمان، بل التعامل مع الحوادث الصحية والنفسية التي قد يتعرض لها الطفل خلال النقل».
وأضافت اليافعي لـ«الإمارات اليوم»: «نوصي الأهالي باعتماد مختصين ومؤهلين لنقل الأطفال من المدارس وإليها أو إلى أي مكان آخر، وننصحهم بعدم ترك أطفالهم مع غرباء مهما كلف الأمر».
وأوضحت أن هناك الكثير من البدائل؛ أولها أن يقوم شخص موثوق من العائلة بإيصال الطفل إلى المدرسة، أو أن يتم اعتماد وسائل النقل الخاصة بالمؤسسات الأكاديمية، والتي تشمل سائقين مدربين في التعامل مع الأطفال، وتشمل مرافقات أو مرافقين يضمنون إتمام الطفل رحلته بأمن وسلام جسدي ونفسي، ويحرصون في الوقت ذاته على سلامة الأطفال عند توقف الحافلات، واجتياز الشوارع باتجاه البيوت.
وتابعت: «إذا كان لدى العائلة سائقون مؤهلون وموثوقون جيداً، فيمكن الاستعانة بهم في توصيل الأطفال بشرط عدم ترك الطفل وحده، بل يرافقه أحد أفراد الأسرة خلال تنقله مع السائق، ويفضل أن يكون السائق هو ولي أمر الطفل نفسه، لكن مازلنا نرصد حوادث نسيان الأطفال في المركبات، وذلك لانشغال الأهالي، ما تجعل الطفل ضحية للنسيان، لذلك لابد أن يكون لولي الأمر حسّ ووعي عالٍ، وانتباه وتركيز عند وجود أطفاله معه في المركبة، وتذكير نفسه بشكل مستمر بخلو المركبة من الأطفال عند نزوله منها، لتجنب مثل هذه الحوادث الأليمة».
وأوضحت أن الدور الرئيس للأسر يتمثل في الحرص الدائم والمتابعة المتواصلة، وعدم ترك الطفل مع شخص غير مؤتمن، والحرص على استيفاء شروط ومعايير السلامة في كل الحالات والظروف، وهنا نحث الأهالي على متابعة ما نصدره لهم من معلومات تثقيفية حول سلامة الأطفال.
وواصلت اليافعي: «يجب على الأهالي متابعة أحوال ومستجدات أطفالهم مع المؤسسات الأكاديمية من مدارس ورياض أطفال، وأن يكون هناك حوار دائم بين الأهالي وإدارات المدارس، لاسيما أن للمدرسة دوراً كبيراً في التواصل مع أولياء الأمور، والبقاء على اطلاع دائم بحالات تغيب الطفل عن المدرسة أو تأخره في الحضور، أو إذا حضر وكان في حالة غير طبيعية صحياً أو نفسياً، لأن هذه الحالات قد تحمل مؤشراً بأن هناك خطأ ما، ومن خلال التواصل بين الأهالي وإدارات المؤسسات الأكاديمية نستطيع تدارك الأمور والحفاظ على سلامة وأمن أطفالنا».
وقالت اليافعي: «إن إدارة سلامة الطفل تحرص على التواصل الدائم مع المجتمع والأهالي والمؤسسات من مختلف الفئات والجنسيات، للتوعية بكيفية التعامل في جميع الحالات التي قد يتعرض لها الطفل، وتقديم الخطوات والإجراءات الاستباقية التي تمنع وقوع الحوادث، كما نحرص على تقديم توجيهات حول سلامة الأطفال داخل المنزل وفي المؤسسات».
وأضافت: «أطلقنا منذ فترة حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار (تفقّدهم.. لكيلا تفقِدهم) حذرنا خلالها من خطورة ترك الأطفال في المركبات المتوقفة أثناء التسوق أو قضاء الحاجات، كما أجرينا أيضاً تجربة اجتماعية لمعالجة قضية نسيان الأطفال داخل الحافلات المدرسية، حيث أكدت نتائج التجربة أهميتها على المستويين المحلي والدولي».
وتابعت: إن «حملة (سلامة الطفل) أوصت المدارس والمؤسسات التعليمية بإجراء ورش توعوية لتدريب الأطفال على كيفية الخروج من الحافلات والمركبات في حال نسيانهم فيها، كما أوصينا أولياء الأمور بتعليم الأطفال احتياطات السلامة اللازمة، وعدم تركهم على متن الحافلات أو المركبات».
جريمة إهمال
بدورها، أكدت نائب رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، موزة الشومي، أن ترك الأطفال في المركبات بكل المقاييس يعد إهمالاً، وإذا أدى إلى وفاة يعتبر قتلاً، مشيرة إلى أن القانون تصدى لجريمة الإهمال التي تُعرّض طفلاً إلى إساءة بدنية أو نفسية أو عقلية.
وقالت موزة الشومي لـ«الإمارات اليوم»: «إن مسؤولية وفاة طفل في الشارقة بعد نسيانه داخل السيارة، تقع على عاتق صاحبة المركبة في المقام الأول ثم أولياء الأمور، وسواء بقصد أو من دون قصد، فإن السائقة لم تتأكد من خروج الأطفال بالكامل من السيارة»، لافتة إلى أن تلك الحوادث المتعلقة بالإهمال تكررت من قبل، وراح ضحيتها أطفال داخل سيارات.
وقالت: «إن ترك الأطفال داخل السيارات يوصف بأنه (جريمة إهمال أدى إلى القتل)، لكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق ولي الأمر، ومن ثم يجب أن تكون التوعية من جميع الجهات، خاصة الجهات التعليمية، لأنه في حالة عدم رغبة ولي الأمر الاعتماد على النقل المدرسي فعليه أن يوقع على ميثاق بتوصيل أبنائه إلى المدرسة، حتى يتحمل هو المسؤولية حال تعرض أي منهم للضرر»، وأضافت «بما أن ولي الأمر ترك الأطفال لدى أقارب أو غرباء لتوصيل أبنائه فهو المخطئ».
ولفتت إلى أن ارتفاع رسوم النقل المدرسي يعد أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع أولياء الأمور إلى اللجوء لسائقين غير مرخصين (كارلفت)، خاصةً في حال عدم قدرتهم على تحمل تكاليفه، محذرة من تبعات المخاطر التي قد يتعرض لها الأبناء مع الغرباء، ومنها الإساءة أو التحرش أو التعنيف اللفظي أو الإهمال أو التنمر.
وشددت على ضرورة قيام كل جهة معنية بمسؤوليتها لحماية الأطفال من الوقوع ضحية الإهمال، وزيادة إجراءات التوعية المستمرة، وتفعيل قانون «وديمة» للتصدي بقوة لأي مخاطر تهدد سلامة الأطفال، داعية إلى تحويل الإهمال إلى جريمة، حتى تكون هناك إجراءات رادعة.
أسباب الخنق
طبياً، أفاد فني الطب الطارئ في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف زيد المعمري، بأن وفاة الأطفال داخل السيارات تحدث عادة بسبب أمرين؛ الأول في حال ترك السيارة في حالة تشغيل، فيتسرب غاز أول أكسيد الكربون، ويتسبب في الوفاة إذا مر عليهم وقت طويل داخلها.
وأضاف: «تحدث الحالة الثانية من الوفاة في حال ترك الطفل داخل سيارة مغلقة لفترات طويلة تحت أشعة الشمس؛ الأمر الذي يعرضهم لـ(إسفكسيا الخنق) بسبب نقص الأكسجين وعدم وصوله للدماغ، وارتفاع درجة حرارة الجسم، موضحاً أن وجود الطفل لـ10 دقائق فقط داخل سيارة مغلقة يؤدي إلى تزايد نبضات القلب، وبدء تعرضه للإغماء، حيث لا تستطيع مناعته الضعيفة التحمل لفترات طويلة».
ولفت إلى أن وفاة الأطفال داخل السيارات تبدأ بدخول الطفل في حالة غيبوبة خلال الساعة الأولى من التعرض لانسحاب الأكسجين وارتفاع درجة الحرارة، ومن ثم يتعرض لتوقف عضلة القلب خلال ثلاث ساعات.
وأكد المعمري أنه يمكن إنقاذ الأطفال في حال تداركهم في الوقت المناسب، ونصح بضرورة محاولة إيقاظه وفحص مؤشراته الحيوية، وتسهيل عملية التنفس، من خلال رفع جبهة الطفل للأعلى، والقيام بعملية الإنعاش القلبي الرئوي من خلال الضغط 30 مرة بشكل منتظم على الصدر، وإعطائه أكسجين عن طريق الفم مرتين.
ونصح بضرورة التواصل مع الإسعاف قبل القيام بأي محاولة إنقاذ، لضمان وصولها في الوقت المناسب، وأخذ المشورة الطبية الدقيقة في عملية الإنقاذ، كذلك العمل على نقله إلى أقرب مستشفى لتداركه قبل فوات الأوان.
وحذر استشاري طب الأسرة والصحة المهنية، الدكتور منصور أنور، من ترك الأطفال داخل السيارات لتفادي تعرضهم لـ«إسفكسيا الخنق» التي تنتج عادة من خلال نقص الأكسجين أو تعرضهم لغاز أول أكسيد الكربون، مشيراً إلى أن تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون داخل السيارة يتفاعل مع الدماغ سلباً، ويؤثر بشكل مباشر في وظائف الجسم ويضعفها، خصوصاً في حال كانت السيارة عرضة لأشعة الشمس، التي تؤدي بدورها إلى تزايد وتيرة فقدان سوائل الجسم، ويسرّع من عملية تعرض الجسم للجفاف، ولفت إلى أن دخول الطفل في حالة فقدان الوعي يبدأ بعد نحو نصف ساعة من تركه داخل السيارة.
30 دقيقة
وأكدت استشارية أمراض الرئة، الدكتورة أسماء النعيمي، أن عملية فقدان الأطفال حياتهم داخل السيارة المغلقة تبدأ في غضون 30 دقيقة، ويعتمد ذلك على نسبة الأكسجين المتوافرة، ودرجة الحرارة، وقدرة الطفل على التحمل، ونسبة السوائل في جسم الطفل.
وحذرت من ترك الأطفال داخل السيارة دون مرافق بالغ في أي حال من الأحوال، خصوصاً أن قدرتهم على التحمل محدودة للغاية، ويمكن فقدانهم خلال وقت قصير.
• الشرطة تحذر أولياء الأمور من خطورة التعاقد مع سائقين غير مرخص لهم بنقل الأبناء.
الدكتورة أسماء النعيمي:
• فقدان الأطفال حياتهم داخل السيارة المغلقة يبدأ في غضون 30 دقيقة.
مخاطر الـ «كارلفت»
حذرت القيادة العامة لشرطة الشارقة أولياء أمور الطلبة من خطورة التعاقد مع سائقين غير مرخص لهم بنقل الأبناء من المدارس وإليها، لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جسيمة على حياة أبنائهم، نظراً لجهلهم بإجراءات السلامة التي تفرضها السلطات المختصة، وهو ما يعرض سلامة أبنائهم للخطر.
ودعت القيادة العامة لشرطة الشارقة أولياء الأمور إلى استخدام الحافلات المدرسية المخصصة لنقل الأطفال، والتي تتوافر فيها كل وسائل الأمن والسلامة، وتخضع لمتابعة مستمرة من الجهات المسؤولة. أو قيام ولي الأمر نفسه بنقل أبنائه إلى المدرسة، فهو أحرص على توفير العناية الكاملة، وتوفير أقصى درجات الأمان لهم.