صفحات تطلب 1000 درهم رسوم اشتراك في الخدمة
خطّابات «أون لاين» يستدرجن الراغبين في الزواج.. بمواصفات غير واقعية
رصدت «الإمارات اليوم» انتشار صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي أنها لمكاتب زواج أو خطّابات، لتسهيل عملية توفيق الأزواج، وذلك بمقابل مالي يصل كرسوم اشتراك في الخدمة فقط إلى 1000 درهم، إضافة إلى رسوم الزواج.
وقال متعاملون إن هذه الصفحات تنشر «إعلانات مضللة»، لافتين إلى أنها ترسم صورة خيالية تداعب مشاعر الباحثين عن شريك حياة مثالي.
وتواصل محرر الصحيفة مع صفحة تدّعي أنها «مكتب زواج»، وطلب منها تسهيل زواج من نوع معين، فجاء الرد بالموافقة بشرط سداد 1000 درهم غير مستردة كبدل اشتراك في خدمة الزواج، تمهيداً لبدء الإجراءات اللازمة لتوصيل الطرفين ببعضهما، إضافة إلى رسوم إجراءات الزواج نفسه.
وتفصيلاً، روت امرأة لـ«الإمارات اليوم» أنها لجأت إلى مكتب زواج عبر الإنترنت للبحث عن زوج لها.
وأضافت أنها وافقت على الزواج من شخص لا تعرف عنه إلا ما سمعته من الخطابة، وهو ما تتمنى سماعه أي فتاة مقبلة على الزواج، لكنها فوجئت بعد فترة بأنه مُصاب بمرض نفسي، ويُعالج منه منذ فترة، فتراجعت عن قرارها.
وقال شاب إنه لجأ إلى صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تطلق على نفسها اسم «الخطّابة» وطلب منها زوجة بمواصفات محددة، فطالبته بسداد 20 ألف درهم نظير إتمام الأمر، بعدما أكدت له وجود راغبة في الزواج تتحلى بالمعايير المطلوبة.
وذكرت امرأة أنها رغبت في الزواج بسبب تجاوزها سن الثلاثين دون أن يتقدم لخطبتها شخص مناسب، وبعد اللجوء إلى إحدى الصفحات الموجودة على «التواصل الاجتماعي»، تم توصيلها بشخص مُطلّق، قيل لها إنه يتحلى بكل مواصفات فارس الأحلام، لكنها اكتشفت أن لديه ابنتين وولداً، وأنه كان يسعى للزواج للعثور على امرأة تساعده على تربية أبنائه.
بدوره، قال كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، إنه ينبغي أولاً أن يعلم الرجال والنساء أن الزواج قسمة إلهية، فمن كتب الله تعالى له أو لها الزواج تهيأت أسبابه وتيسرت أموره، فليس بالعرض ولا بالطلب.
وأضاف: «الأصل في الزواج أن يكون طلبه من قبل الرجال الصادقين، بأنفسهم أو بطريقة الأهل ولاسيما الأم والخالة والأخت اللاتي يتعرفن على الفتاة وينقلن ما ينبغي نقله من الصفات للراغب ثم تتم بعد ذلك الخطبة، وإن تعرف الرجل بنفسه من واقع المعرفة في الصغر أو من ميادين العمل فلا حرج من ذلك، وكذلك لا مانع أن يعرض الأب أو الأخ على من يحس فيه الرغبة في الزواج ويُعييه البحث، أو أن تعرض المرأة نفسها على من تراه صادقاً».
وأوضح أن «كل ذلك ثابت في تراثنا الإسلامي والفقهي، وإن لم يكن بعض ذلك في أعرافنا الاجتماعية، لكن بسبب طفرة تطبيقات التواصل وُجد ما يسمى مواقع الزواج، عن طريق خطّابات كما يسمين أنفسهن، ومثل هذه المواقع والصفحات تحفها مخاطر كثيرة».
وتابع أن «عاقبة هذا التزاوج غالباً ما تكون الفشل الذريع، وضياع المستقبل المنشود».
ووجّه من لم يأتها النصيب بأن «تصبر وتدعو الله تعالى أن يرزقها الرجل الكفؤ الذي يضمن لها الحياة السعيدة، فالله تعالى سميع قريب مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وإن لم يحصل المراد فلعل ما أراده الله تعالى هو عين الخير والبركة للمرأة أو للرجل».
وقالت رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة المدينة في عجمان، الدكتورة مريم قدوري، إن هناك العديد من الصفحات التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تروّج لإعلانات زواج متعددة تحت مسمى «الخطّابات»، وبعض تلك الصفحات تروّج لزيجات تحت مسميات غير مقبولة.
وأضافت أن «الزيجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي غالباً ما تدخل أطرافها في طرق معقدة ومتشابكة، بسبب عدم معرفة الشخص الآخر معرفة كافية بما يمكّن من الارتباط به وإنجاب أطفال منه، وإمكان إصابته بمرض يُعقّد العلاقة الزوجية، ويؤدي في النهاية إلى عدم الاستقرار الأسري ومن ثم الانفصال».
وأكدت الدكتورة قدوري أن هدف النساء اللاتي يزعمن أنهن خطّابات يرتكز إلى الربح المالي لا إلى أهمية الزواج والأسرة في حياة الشخص، لأن عملهن يعتمد على الحصول على مقابل من الرجل والمرأة.
واستنكرت عرض مواصفات النساء عبر صفحات الإنترنت بشكل مخجل، مؤكدة أنه أمر غير مقبول في مجتمعنا.
من جانبها، قالت المستشارة الأسرية، الدكتورة هيام أبومشعل، إن نسبة النجاح في البحث عن زوجة بمواصفات محددة عبر منصات التواصل الاجتماعي دون بذل أي مجهود، ضئيلة جداً، على الرغم من ادعاءات الخطّابة أن في مقدورها توفير شريك بالمواصفات المطلوبة، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وعزت انتشار هذه الظاهرة، أو رواجها في أوساط الشباب، إلى أن بعض الأفراد يواجهون صعوبات في التعارف والزواج بالطرق التقليدية بسبب القيود الاجتماعية أو الجغرافية أو الثقافية، فيلجؤون إلى وسائل التكنولوجيا لتخطي تلك القيود. وأسهم في ذلك التطور التكنولوجي، وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح من السهل التواصل والتعرف على شركاء محتملين، بغض النظر عن الحدود الجغرافية والاجتماعية، فضلاً عن زيادة الخيارات المتاحة، حيث يمكن الوصول إلى قاعدة بيانات أوسع من الخيارات الزوجية المحتملة، ما يزيد فرص العثور على الشريك المناسب لتخطي القيود التقليدية.
وتابعت: «مع تنامي ثقافة الاستهلاك والتسوق، بات البعض ينظر إلى عملية البحث عن الشريك المناسب كنوع من التسوق، إذ يمكنه الاختيار بين منتجات متعددة بسهولة، عبر الاتصال أو الإعلان، لأن وسائل التواصل الاجتماعي تُتيح الإعلان عن الرغبة في الزواج بسهولة».
وأوضحت أبومشعل أن «أبرز التأثيرات السلبية لهذا الموضوع تتمثل في تحويل المرأة إلى سلعة للبحث والاختيار، وفق مواصفات محددة، وإضفاء طابع تجاري على عملية الزواج، وتجزئتها إلى ميزات، أو صفقة، وزيادة فرص الوقوع في علاقات غير متوازنة أو مجحفة بحق المرأة، مثل الارتباط بزوج يشعرها بانعدام الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي».
وأشارت إلى أن «هذا الأسلوب في البحث عن الزوجة بمواصفات محددة يعكس رغبة كثير من الشباب في الحصول على شريك حياة يتناسب مع توقعاتهم وأولوياتهم، فقد تشمل المواصفات الخلفية الاجتماعية والثقافية والجنسية والمستوى التعليمي والمظهر الجسدي والقيم الشخصية، ومع ذلك قد ينتج عن ذلك توقعات غير واقعية أو صعوبات في التكيف بعد الزواج».
وقالت إن هذه الظاهرة شهدت جدلاً حول ما إذا كانت ستؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق بين الأزواج أم لا، فالبعض يرى أنها تؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة دون تقييم كافٍ للشريك، بينما يعتقد البعض الآخر أنها توفر طرقاً جديدة للتعارف قد تؤدي إلى زيجات ناجحة، وفي النهاية ستعتمد النتائج على عوامل أخرى، كالتوافق الشخصي والدعم الاجتماعي، وعوامل لها تأثير كبير في نجاح العلاقة الزوجية أو فشلها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news