مطلوب جرعة من الإنسانية

محمد سالم آل علي

تخيلوا معي مديراً يحب السيطرة، ويراقب حركات الجميع، وينتقد ويلوم دون تقديم حلول أو حتى أي ملاحظات بناءة، وهو أيضاً سريع الإشارة إلى الأخطاء، ولا يعترف بالعمل الجيد، ويلقي بأعباء العمل على الموظفين، بما يجاوز قدراتهم واستطاعتهم، كما يحدد مواعيد نهائية خيالية وغير واقعية، ويطالب بالنتائج دون مراعاة الصحتين الجسدية والنفسية للبشر العاملين لديه، والأسوأ أنه يتوقع أن الموظفين متاحون في جميع الأوقات والعطلات، فهو لا يستوعب مفاهيم كالتوازن بين العمل والحياة، ولا الالتزامات الشخصية، ولا حتى الطوارئ أو الظروف الصحية.

ولعل المحزن هنا هو أن هذا الشخص يستند إلى ثقافة بعض أقسام الموارد البشرية المبنية على الخوف، ومفهوم القوة للتلاعب بالموظفين، لذلك فإنه ببساطة يستخدم التهديدات، لإجبار الموظفين على العمل لساعات أطول أو تحمل أعباء إضافية وإلا كان مصيرهم العقاب والتسريح.

إن ما أريد الوصول إليه هو أنه في بيئة العمل السريعة والمتطورة اليوم، تجاوز دور الموارد البشرية الوظائف الإدارية الأساسية، المتمثلة في التوظيف والتسريح وإدارة الرواتب، بل أصبحت الموارد البشرية بمثابة الركن الأساسي في عملية تعزيز بيئة العمل، وضمان إنتاجيتها، وهنا بالتحديد تبرز أهمية إضفاء الطابع الإنساني على ممارسات الموارد البشرية، باعتبار الموظفين بشراً لديهم احتياجات وتطلعات وأحلام، وأيضاً عواطف وحياة شخصية، وليس مجرد أصول، لذلك لابد هنا من فهم احتياجاتهم ومراعاتها، وتطبيق الحلول المرنة التي تسمح لهم بإدارة حياتهم المهنية والشخصية بفاعلية ودون ضغوط، وأيضاً تزويدهم بفرص النمو والترقي المهني مع ضرورة الاعتراف بإنجازاتهم ومكافأتهم عليها.

أقول في الختام، إنه في عالم اليوم الذي يتميز بتلاشي الحدود بين العمل والحياة اليومية، يفرض الجانب الإنساني نفسه كاستراتيجية وليس كاختيار، بل أزيد بأنه التطور الحتمي في طريقة إدارة المؤسسات، فهو المفتاح الذي يطلق العنان للطاقات الكامنة في كل موظف، وهو الدواء الناجع من أجل وصفة مؤسسية براقة، يسودها الإبداع والتميّز، فعندما ترى الموارد البشرية موظفيها بعيون التعاطف والاحترام، تترسخ بيئة العمل الأكثر إيجابية وإنتاجية، بل أكثر إخلاصاً للعمل المؤسسي، وأكثر رضا وسعادة على الصعيد الفردي.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر