يحفزونهم بألقاب وهمية على شراء «هدايا رقمية» باهظة

مشاهير «اللايفات» يصطادون المراهقين بـ «الطناخة» و«الحمية»

صورة

حذر تربويون ومختصون نفسيون من مخاطر ترك الأبناء تحت تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، بلا رقابة، خصوصاً المواقع التي تبث «تحديات» على الهواء، أو «لايفات» أو «بثوثاً» وفق تعبير كثيرين.

وقالوا إن المراهقين يحاولون إثبات أنفسهم أمام الآخرين، من خلال تقديم الدعم أو «الهدايا الرقمية» لمشاهير على تطبيق «تيك توك»، تحت تأثير عبارات تثير الحماسة والحمية في نفوسهم، مثل «كفو» و«طناخة».

وشرحوا أن بعض المشاهير يستغلون هذه الحمية ويلجأون إلى طرق عدة لتحقيق أرباح سريعة، من خلال تحفيز المتابعين على إنفاق أموالهم عليهم، على الرغم من أنهم لا يقدمون لهم أي محتوى مفيد.

وأشاروا إلى أن المراهقين هم الأكثر انصياعاً لدعوات المشاهير والأكثر إنفاقاً عليهم، داعين الأهالي إلى تعزيز الرقابة المالية والوعي بسبل الإنفاق السليمة، من خلال تكثيف حملات التوعية التي تستهدفهم.

وأكدت المستشارة الأسرية والتربوية ومعلمة اللغة العربية، عائشة علي البيرق، وجود سلوكيات جديدة بدأت تظهر بين الشباب والمراهقين في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها تخصيص مبالغ مالية لدعم «بثوث» المشاهير، على «تيك توك».

وأضافت أن «هذا السلوك لم يؤثر فقط في الجوانب الاقتصادية لدى هذه الفئة، بل بدأ في تغيير عاداتهم وتقاليدهم، من خلال نشر فكرة إمكان الحصول على المال دون بذل جهد، من أجل الحصول على مؤهل أكاديمي وعلمي».

وذكرت أن «العامل الرئيس لدى المراهقين لصرف أموالهم على المشاهير هو التأثر الكبير بهم على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنهم يعرضون أنماط حياة فاخرة ومبهرة تجذب الانتباه، وتحفز الآخرين على تقليدهم، ودعمهم بالأموال أملاً في الحصول على تقدير أو تفاعل مباشر منهم».

وأضافت أن «خاصية (البث المباشر) تقدّم فرصاً للتفاعل مع المشاهير من خلال تقديم الهدايا الرقمية التي يمكن أن يحوّلها المشهور إلى أموال حقيقية. وعلى الرغم من أن هذه الهدايا قد تبدو بسيطة، فإن قيمتها المالية يمكن أن تكون مرتفعة، ما يشجع المراهقين على إنفاق مبالغ كبيرة دون إدراك فعلي لحجم الخسارة».

وتابعت البيرق أن التأثيرات السلبية بدأت تظهر على القيم الاجتماعية التقليدية، فالأشخاص الذين يقضّون ساعات طويلة في متابعة هذا البث، كالطلبة في المدارس والموظفين في أماكن عملهم، أصبحوا يميلون إلى تقليد سلوكيات دخيلة على المجتمع، مثل التركيز على المظاهر المادية والتفاخر بالثروة السريعة. وهذا التحول في القيم يمكن أن يؤدي إلى إبعاد المراهقين عن السعي إلى تحقيق أهداف أكاديمية أو مهنية طويلة الأمد، ويعزز فكرة أن النجاح والثراء يمكن تحقيقهما بسرعة دون الحاجة إلى بذل جهد كبير، أو اكتساب مؤهلات علمية، وهذا المفهوم قد يُضعف دافعهم للتعليم والعمل الجاد، ما يؤثر سلباً في مستقبلهم المهني والشخصي.

وشرحت أن ما يعرف بـ«الدعم المباشر» وسيلة يقدم مستخدمو «تيك توك» من خلالها «تبرعاً» لصاحب المقطع المصور للتعبير عن إعجابهم بالمحتوى، وهذا التبرع يكون في شكل نقاط يتم تحويلها في ما بعد إلى أموال، ويخصم التطبيق جزءاً من المبلغ. وما يحصل عليه المتبرع لقاء ذلك، إشادة من المشهور تثير الحماسة والحمية في نفسه، مثل «كفو» و«طناخة».

وحثت أولياء الأمور والأسر على توعية أبنائهم بمخاطر هذه السلوكيات، وتشجيعهم على التفكير النقدي عند التفاعل مع محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وإدراك أن النجاح الحقيقي يتطلب الجهد والتعلم، مؤكدة تعزيز القيم التقليدية والمبادئ الأخلاقية في المجتمع، من خلال الأنشطة التربوية والثقافية، إضافة إلى وضع ضوابط أكثر صرامة لتنظيم المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي للحد من تأثيرات هذه السلوكيات السلبية على الأجيال الصاعدة.

وأفادت المستشارة القانونية والمحامية فاطمة آل علي، بأن تأثير السلوكيات المرتبطة بدعم «بثوث» المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، يمتد ليشمل الاستقرار الأسري والعلاقات الزوجية، إذ تخلق متابعة المشاهير لساعات طويلة توتراً بين الأزواج في حال أهمل أحد الشريكين الآخر نتيجة اهتمامه المفرط بالبث.

كما أن إنفاق الأموال على الهدايا الرقمية يؤدي إلى مشكلات مالية داخل الأسرة، إذا وصل الحال بأحد الشريكين إلى أن يخصص جزءاً من الدخل لدعم هذه الأنشطة، لأن المال يضيع على الأمور التافهة، بدلاً من المسؤوليات المفروضة.

ويمثل «التكبيس» واحداً من أوجه هدر الوقت والمال في «تيك توك»، إذ يعتبر أحد أهم مصادر الربح الفعالة وحصد النقاط للمشهور، من خلال التفاعل الجماعي على ما يقدمه من محتوى، أياً يكن نوعه أو مستوى تفاهته، كما أن «التكبيس» يسهم في تحسين ترتيب الفيديو على محركات البحث.

وشددت على ضرورة تعزيز الوعي بين الأزواج حول أهمية التوازن في الأنشطة الترفيهية والواجبات الأسرية، كما شددت على ضرورة فتح حوار صريح بين الزوجين حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتخصيص وقت مناسب للعائلة، إضافة إلى توجيه الشباب والأزواج نحو استثمار وقتهم في أنشطة تبني علاقات أسرية قوية ومستدامة، بدلاً من التأثيرات الافتراضية والمظاهر الزائفة.

بدوره، قال الأخصائي النفسي، حسن عيسى، إن الدعم المالي للمشاهير على التطبيقات يعكس شعوراً بالنقص لدى الشاب، يسعى إلى تعويضه من وراء شاشة هاتفه، باستخدام أسماء مستعارة أو حتى حقيقية، على أمل إظهار «تميزه» في بث المشاهير المباشر في حال تفاعلهم معه.

وشرح أن المراهقين يتجهون نحو هذا السلوك بدافع الرغبة في إبراز أنفسهم أمام المجتمع، في ظل غياب أهداف واضحة في حياتهم.

وأضاف أن إتاحة الأموال بلا حساب وتركها في أيدي المراهقين دون وضع ميزانية محددة لهم، قد يكون سبباً آخر لهذا السلوك، خصوصاً في غياب الرقابة المالية وعدم توجيه أو إدارة نفقاتهم، ما قد يسهم في تشجيعهم على إنفاق الأموال بشكل غير مسؤول، مثل إهدارها على دعم المشاهير في البث المباشر.

وأضاف أن هذه السلوكيات قد تؤدي إلى آثار نفسية أعمق، مثل الاعتماد على تقدير الآخرين لتحقيق الشعور بالقيمة الذاتية، ما يجعل المراهق عرضة لمزيد من الإحباط والاستغلال. وقد يعزز هذا السلوك الميل إلى العزلة والانغماس في العالم الافتراضي، ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية الحقيقية، ويزيد مشاعر الوحدة والانعزال.

وأكد ضرورة توعية الأهالي لأبنائهم وتعليمهم كيفية إدارة أموالهم بحكمة، مشدداً على ضرورة تعزيز الوعي لدى المراهقين والشباب حول قيمة المال، وأهمية توجيهه نحو أهداف مفيدة، إلى جانب ضرورة تنظيم حملات توعية تركز على توجيههم لتطوير أهداف واضحة في حياتهم وتجنّب الانجرار وراء سلوكيات استهلاكية ضارة.

تويتر