خبراء يقترحون «تحصينات استباقية» لاستخدام المركبات ذاتية القيادة بالدولة

وضع خبراء ومختصون عدداً من المقترحات والضوابط التي وصفوها بـ«تحصينات استباقية» تنظم الاستخدام الآمن للمركبات ذاتية القيادة بالدولة، التي يبدأ ترخيصها على طرق الدولة قريباً، بعد صدور مرسوم بقانون اتحادي جديد بشأن تنظيم السير والمرور، يهدف إلى التوسع في استخدام المركبات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية، ويتضمن شروطاً وإجراءات لفحص وتسجيل وترخيص وتجديد هذه المركبات، لافتين إلى أهمية أن تشمل «التحصينات» تزويد هذا النوع من المركبات بـ «صندوق أسود» يتيح الكشف عن أسباب الحوادث، بالإضافة إلى توفير برامج تغطية تأمينية غير تقليدية ضد «الهجمات السيبرانية».

وأكد الخبراء لـ«الإمارات اليوم» أهمية التشريع الجديد من أجل تحديد آليات العمل الخاصة بالمركبات ذاتية القيادة، والسيارات الكهربائية، ووسائل التنقل الشخصية باختلاف أنواعها، في ضوء ما تشهده دولة الإمارات من تنامي استخدام المركبات ذاتية القيادة، والطفرة الكبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي.

وأوضحوا أن تقنين استخدام المركبات ذاتية القيادة على طرق الدولة، سيتيح الفرصة لاستخدام المركبات بشكل مستقل لفئات من غير القادرين على القيادة، سواء المصابون في الأقدام أو الأيدي أو من أصحاب الهمم.

وأشاروا إلى ضرورة تطوير منتجات تأمينية مخصصة للمركبات ذاتية القيادة، بما يتماشى مع التحديات والمخاطر التي تواجه هذه التقنية، وتمتد هذه التغطيات للحماية من الهجمات السيبرانية التي قد تستهدف المركبة، وأي أعطال ناتجة عن نظام الملاحة، بما يضمن حماية شاملة للمركبة ولحقوق المستخدمين.

ونصّ المرسوم بقانون اتحادي جديد بشأن تنظيم السير والمرور، الذي أصدرته حكومة الإمارات أخيراً، على أنه يُحدد بقرار من مجلس الوزراء شروط وإجراءات فحص وتسجيل وترخيص وتجديد المركبات ذاتية القيادة، وآليات العمل الخاصة بتجربة التقنيات الحديثة للمركبات.

ويهدف المرسوم إلى مواكبة التطور السريع الذي تشهده وسائل النقل عالمياً من خلال تعديل تصنيف المركبات وتوظيف التقنيات الحديثة في الطرقات، خصوصاً ما يتعلق بالتوسع في استخدام المركبات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية ووسائل التنقل الشخصية باختلاف أنواعها، والاعتماد على وسائل نقل مبنية على حلول التقدم التكنولوجي الذي تتميز به شبكة الطرق بالدولة.

وتفصيلاً، قال الباحث من وزارة العدل، عبدالله علي القرطاسي النعيمي، إن استخدامات المركبات ذاتية القيادة فرضت إشكاليات عدة، ما استدعى تدخل الجانب القانوني لإيجاد حل لهذه الإشكاليات.

وأكد النعيمي أهمية المرسوم بقانون تنظيم السير والمرور الجديد، الذي أصدرته حكومة دولة الإمارات أخيراً، والذي أقرّ فحص وتسجيل وترخيص المركبات ذاتية القيادة، وأشار إلى أنه سيتيح إمكانية قيادة هذه المركبات للفئات التي لا تستطيع قيادة المركبات التقليدية، بسبب ما يعانونه من إصابات في الأقدام أو الأيدي، وغيرهم من أصحاب الهمم، فضلاً عن مواكبة المرسوم الجديد لما تشهده دولة الإمارات من طفرة كبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي.

ولفت إلى أهمية صدور المرسوم الجديد في ضوء تنامي استخدام المركبات ذاتية القيادة في مجتمع دولة الإمارات، ومواجهة ما قد ينتج من إشكاليات قانونية وجنائية جديدة، خصوصاً ما يتعلق بتحديد المسؤولية الجنائية الناشئة عن استخدام هذه المركبات، وهل هي مسؤولية الشخص الطبيعي أم مسؤولية الشخص الاعتباري.

واقترح النعيمي، لتفادي إشكالية تحديد المسؤول عن حوادث هذه المركبات، أن تطور الشركات المصنعة للمركبات ذاتية القيادة وسائل تقنية (صندوق أسود) تساعد على معرفة أسباب الخلل عند وقوع حادث، وما إذا كان الحادث بسبب أخطاء فنية في المركبة ذاتها، ومن ثم تكون الشركة المصنعة هي المسؤولة جنائياً، أو كان الحادث بسبب تدخل من مستغل المركبة (المالك أو المستأجر)، كإدخال بيانات خاطئة أو العبث بنظام البرمجة، ما يسهم في الوقوف على أسباب الحادث من دون أن نلجأ إلى ندب خبير تقني لكشف ملابسات الحادث وأسبابه.

وقال المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، إنه يمكن تقسيم المسؤولية إلى مسؤولية جنائية ومدنية، موضحاً أن مالك السيارة ذاتية القيادة يتحمل المسؤولية الجنائية في حالة الحوادث، إذا ثبت إهماله للصيانة الدورية للسيارة، أو تجاهل تحديثات البرمجيات الضرورية.

وأشار إلى أنه في حالات القيادة الذاتية غير المصرح بها، قد يتحمل المالك المسؤولية إذا سمح للسيارة بالعمل في وضع القيادة الذاتية في بيئات أو ظروف غير مناسبة.

وأضاف: «يمكن أن يتحمل المالك المسؤولية الجنائية إذا استُخدمت السيارة ذاتية القيادة في أنشطة غير قانونية».

ولفت الشريف إلى إمكانية أن يكون التعويض عن الأضرار في حال وقوع حادث تسببت فيه السيارة الذاتية، ويمكن أن يتحمل المالك المسؤولية المدنية عن الأضرار المادية والجسدية.

وأشار إلى أن معظم قوانين التأمين تلزم مالك السيارة بتغطية الأضرار التي قد تتسبب بها المركبة، بغض النظر عمن يتحكم فيها (الإنسان أو النظام الذاتي)، لذا قد يُلزَم المالك بتحمل تكاليف الإصلاح والتعويض من خلال تأمينه، موضحاً أنه إذا فشل المالك في التأكد من صيانة السيارة بشكل مناسب، أو تحديث البرمجيات الخاصة بها ما أدى إلى وقوع حادث، من الضروري تحميله المسؤولية المدنية على أساس الإهمال.

وعرض الشريف مجموعة من التحديات القانونية بشأن المركبات ذاتية القيادة، ومن ذلك تحديد المسؤولية بين المالك والمصنّع، إذ في كثير من الحالات قد يتساءل القانون عن دور الشركة المصنعة أو الشركة التي تقدم البرمجيات في الحادث، وعلى سبيل المثال إذا كان هناك خلل في البرمجيات أدى إلى وقوع الحادث، قد يتم توجيه جزء من المسؤولية إلى الشركة المصنعة.

وتوقع أن تتطور التشريعات الخاصة بالسيارات ذاتية القيادة لتشمل بنوداً خاصة بتوزيع المسؤولية بين المالك والمصنّع ومقدم البرمجيات، حيث تضع بعض القوانين المسؤولية بشكل رئيس على المصنع في حال وقوع الحوادث بسبب خطأ في البرمجيات، بينما يتم تحميل المالك المسؤولية في حال الإهمال في الصيانة أو الاستخدام غير المصرح به.

وأكد خبير التأمين رئيس اللجنة الفنية لاتحاد التأمين الخليجي، بسام أديب جيلميران، أن الإمارات تعد من الدول السباقة في اعتماد التطوير التكنولوجي في مختلف مجالات الحياة، حيث تبنت منذ سنوات استراتيجيات طموحة لجعل الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من مستقبلها.

وقال إنه في إطار رؤية الإمارات الطموحة نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، تُعد المركبات ذاتية القيادة من أبرز الابتكارات التي تسعى الإمارات لإدخالها في منظومة النقل، مؤكداً أن حرص الدولة لا يقتصر على اهتمامها بالتقنية فحسب، بل تسعى لتطوير أطر قانونية وتشريعية تضمن الاستخدام الآمن لهذه التقنيات وتحديد المسؤوليات المدنية والجنائية المتعلقة بها، إلى جانب وضع سياسات تأمين تلائم احتياجات هذه المركبات.

ولفت إلى أن دولة الإمارات تسعى لأن تكون مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، وقد أطلقت في السنوات الأخيرة العديد من المبادرات لتبني تقنيات المستقبل في مختلف القطاعات، وفي مجال النقل وضعت هيئة الطرق والمواصلات في دبي خططاً لدمج المركبات ذاتية القيادة في شبكات النقل العامة والخاصة، وتهدف إلى جعل 25% من جميع رحلات النقل في دبي بوساطة مركبات ذاتية القيادة بحلول عام 2030، ما يعكس طموح الإمارات الكبير في هذا المجال.

وأشار جيلميران إلى أن الإمارات تنظم هذا التوسع التكنولوجي بشكل دقيق، من خلال تحديث قوانينها لتلائم احتياجات المركبات ذاتية القيادة، وقد أطلقت الحكومة الإماراتية العديد من المبادرات التي تهدف إلى وضع أطر قانونية واضحة، تتناول المسؤوليات المدنية والجنائية المتعلقة بهذه المركبات، وبحسب هذه الأطر تُقسم المسؤوليات على أطراف عدة، من ضمنها الشركة المصنعة للمركبة، ومزود البرمجيات، وحتى المستخدم النهائي، وفي حال وقوع حادث أثناء استخدام المركبة، يُفترض أن تكون هناك قواعد محددة لتحديد الطرف المسؤول، فعلى سبيل المثال إذا كان الحادث ناتجاً عن خلل برمجي فقد تكون المسؤولية على الشركة المصنعة أو مزود البرمجيات، بينما يتحمل المستخدم جزءاً من المسؤولية في حال كان سبب الحادث ناتجاً عن إساءة استخدامه للسيارة.

وبالنسبة للتأمين على المركبات ذاتية القيادة، أوضح جيلميران أن التأمين على المركبات ذاتية القيادة يتطلب ترتيبات خاصة تختلف عن التأمين التقليدي للمركبات العادية، مشيراً في هذا السياق إلى تطوير منتجات تأمينية متخصصة لهذا النوع من المركبات بالفعل، بحيث تغطي الأضرار الناتجة عن الأخطاء التقنية أو الأعطال البرمجية، ومن المتوقع أن تشمل سياسات التأمين أيضاً تغطيات ضد الهجمات السيبرانية التي قد تستهدف المركبة، وأي أعطال ناتجة عن نظام الملاحة، بما يضمن حماية شاملة للمركبة ولحقوق المستخدمين.

ونبّه إلى أن هذه المركبات تتطلب بوليصات تأمين خاصة تختلف عن التأمين التقليدي، كونها تحتاج إلى تغطيات إضافية لتشمل المخاطر المحتملة المرتبطة بالتقنيات الحديثة، وأشار جيلميران إلى أن الإمارات تعتمد على تجارب الدول الرائدة في هذا المجال لتطوير أطرها القانونية والتشريعية.

وأكد أنه مع استمرار الإمارات في قيادة الابتكارات التكنولوجية في المنطقة، من المتوقع أن تشهد سياسات التأمين تطوراً لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمركبات ذاتية القيادة، مرجحاً أن تتبنى الإمارات قوانين تنظيمية مشابهة لتلك الموجودة في بريطانيا ودول أخرى، بما يضمن الشفافية والعدالة في توزيع المسؤوليات، وحماية المصالح العامة والخاصة.

قواعد وأحكام المسؤولية الجنائية

قال الباحث من وزارة العدل، عبدالله علي القرطاسي النعيمي، إنه أجرى دراسة حديثة سنة 2021 بعنوان «المسؤولية الجنائية عن حوادث المركبات ذاتية القيادة في التشريع الإماراتي»، تزامناً مع ما تشهده دولة الإمارات من طفرة كبيرة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وحصل بموجبها على درجة الماجستير بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة زايد، وأوضح أنه سعى من خلال دراسته إلى استشراف آفاق استعمال هذه المركبات وإيجاد حلول تشريعية لما يتوقع أن ينتج عنها من حوادث، وكون السيارات ذاتية القيادة اختراعاً علمياً جديداً قد يُقابل في بادئ الأمر بالشك والريبة، وأشار إلى الحاجة إلى سنّ تشريعات جديدة تحدد أساس المسؤولية الجنائية عن حوادث هذه المركبات، وعناصرها، وحالات الإعفاء من هذه المسؤولية، ما ينعكس بالإيجاب على هذا التقدم التقني، وذكر أن الدراسة تهدف إلى معرفة مدى انطباق أحكام المسؤولية الجنائية الواردة في قانون العقوبات الاتحادي لمعالجة ما ينجم من حوادث تسببها المركبات ذاتية القيادة، وما إذا كانت هناك حاجة إلى تشريع جديد خاص يعالج وينظم أحكام هذه المسؤولية، خصوصاً أن المركبة ذاتية القيادة تسير من دون تدخل بشري، وبالتالي يصعب تحديد المسؤول جنائياً عن الآثار الناتجة عن هذه المركبات، وقال إن السؤال الرئيس الذي تحاول هذا الدراسة الإجابة عنه هو مدى كفاية وكفاءة قواعد وأحكام المسؤولية الجنائية التقليدية الواردة في قانون العقوبات الاتحادي، لتطبيقها على المسؤولية الجنائية الخاصة لهذه المركبات.

الأكثر مشاركة