"باحث بالتراث": الجيل الحالي يعيد الأعراس التراثية

عرائس إماراتيات يستبدلن الفستان الأبيض بالثوب التقليدي في حفلات الزفاف

شهدت الأعراس الإماراتية وحفلات عقد القران تحولًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، حيث بدأت العديد من العرائس بالعودة إلى الجذور التراثية، مبتعدات عن الفستان الأبيض الذي أصبح رمزًا عالميًا للزفاف، ومفضلات الثوب التقليدي الإماراتي بتصاميمه وتطريزاته العريقة، إلى جانب تزينهن بالمجوهرات التراثية التي تحمل طابعًا تاريخيًا يعكس عراقة التراث .
ولم يقتصر هذا التوجه على العروس وحدها، بل امتد ليشمل المدعوات أيضًا، حيث أصبحن يرتدين "المخاوير" والثياب المطرزة، مما يعزز من أجواء العرس الشعبي ويضفي عليه لمسة أصيلة بهوية إماراتية.
وتفصيلاً، اختارت المواطنة مريم الظنحاني التخلي عن الفستان المعتاد في حفلات عقد القران، مفضلة الثوب الإماراتي المطرز بخيوط الذهب، تعبيراً عن اعتزازها بهويتها الوطنية.
وسط زغاريد النساء، أطلت العروس بإطلالة تراثية أصيلة، متزينة بالمجوهرات التقليدية "المرتعشة"، فيما تألقت المدعوات بـ"المخاوير" والأثواب المطرزة، ليبدو الحفل وكأنه لوحة نابضة بعبق الماضي، تعكس روح الأعراس الإماراتية القديمة.
وقالت الظنحاني"شعرت أن هذا اليوم يجب أن يكون انعكاساً لجذوري وهويتي، فالثوب الإماراتي يحمل جمالاً وأصالة أردت أن أحتفي بهما في هذه المناسبة الخاصة".
وأوضحت أنها وجدت في تفاصيل العرس الإماراتي جماليات تتجاوز الأعراس المستوحاة من العادات الأوروبية، مشيرة إلى أن "الطابع التراثي غني بالألوان التي تعبر عن الفرح والبهجة"، مؤكدة أن المصممات الإماراتيات يقدمن أثواباً تراثية تجمع بين الاحتشام والأناقة، مما يمنح العروس إطلالة راقية ومميزة.

ولم يقتصر اهتمام الظنحاني على إطلالتها فقط، بل حرصت على أن تحمل جميع تفاصيل الحفل الطابع الإماراتي الأصيل، بدءاً من الزينة التي زينت بها باحة المنزل، مروراً بالتوزيعات المزينة بنقوش تراثية، وصولاً إلى الأهازيج الشعبية التي أضفت أجواءً مميزة، مقدمة بذلك نموذجاً حياً لعودة الأعراس الإماراتية إلى جذورها.
من جهتها، عبرت المواطنة موزة النقبي، والدة إحدى العرائس اللواتي اخترن ارتداء الثوب الإماراتي التقليدي، عن سعادتها بعودة الأعراس إلى طابعها التراثي، مشيرة إلى أنها ارتدت فستان زفاف في حفل زواجها، لكنها تتمنى لو أتيح لها اختيار الثوب الإماراتي المطرز، لما يحمله من أصالة وجمال يعكسان التراث بأسلوب راقٍ وأنيق.
وأضافت أن رؤية ابنتها تتألق بالزي التقليدي في عقد قرانها أعاد إليها أجواء الأعراس القديمة، التي كانت تمزج بين الفخامة والبساطة بروح إماراتية أصيلة ، مؤكدة أنها حرصت على أن تتضمن دعوة الحفل تنويهاً حول الطابع التقليدي الذي سيكون عليه الحفلة داعية الحاضرات إلى ارتداء الملابس الإماراتية التراثية، لتعزيز الأجواء التراثية.
وفي السياق ذاته قالت فاطمة آل علي، إحدى المدعوات لحفل زفاف تراثي، أن هذا التوجه في حفلات الزفاف أضفى طابعاً مميزاً على الحفل، حيث شعر الجميع وكأنهم جزء من مشهد يعيد إحياء أفراح الماضي بكل تفاصيلها.
وأضافت أن ارتداء الملابس الإماراتية التقليدية سهل الأمر على المدعوات، حيث إن الثوب المطرز والمخور جزء أساسي من مناسبات المرأة الإماراتية ، مشيرةً إلى أن الحفل التراثي له وقع خاص على كبيرات السن، إذ استعدن ذكريات الأعراس القديمة وعشن لحظات مليئة بالحنين لأفراح الماضي بكل أصالتها.
من جانبها أفادت صاحبة شركة "تبرُ سبيس ايفنت" لتنظيم حفلات الزفاف، شيخة حمد مغاور، أن العرائس أصبحن يدمجن حفل ليلة الحناء مع حفل عقد القران في نفس اليوم، وهو توجه جميل يقلل من تعدد الحفلات والإسراف ، مضفة أن هذا التوجه يسهم في توفير الوقت والجهد، ويمنح العروس وعائلتها فرصة للاحتفال بطريقة أكثر بساطة وخصوصية.
وأشارت مغاور إلى أن الحفل الزفاف التراثي يعكس أكثر من مجرد تجمع عائلي، بل يمثل فرصة لاستعراض جماليات التراث الإماراتي من خلال تصاميم مبتكرة تجمع بين الأصالة والحداثة ، مؤكدة أن  الحفل التراثي، بحسب تجربتها، أكثر حميمية ويعكس تراثاً غنياً، حيث تتناغم الألوان الجمالية التقليدية مع العناصر الطبيعية المستوحاة من البيئة المحلية، مثل النخيل والغاف.
وقالت مغاور "إن العناصر الطبيعية مثل النخل والأواني القديمة والزخارف التي تعود إلى حضارة الإمارات، بما فيها ما قبل الميلاد، تعتبر من أهم عناصر تصميم الزفاف التراثي ، فالمصمم هو من يعيد صياغة هذه المواد بشكل مبتكر وجمالي ليجعلها جزءاً من حفل الزفاف، مما يعزز الإحساس بالأصالة والهوية الوطنية".
وتابعت " يعد هذا التوجه دعماً للعودة إلى الجذور الإماراتية، ويسهم في تفعيل الثقافة المحلية في الحفلات، إلى جانب خلق جو من الألفة والحميمية بين الحضور وفي ظل هذه التوجهات، تظل حفلات الزفاف الإماراتية مثالاً للتراث والعراقة الممزوجة بروح الحداثة والتطور".
إلى ذلك  أكد المؤرخ و الباحث في التراث الإماراتي الدكتور حمد بن صراي ، أن هذا التحول يمثل عودة حقيقية إلى عمق التراث، وليس مجرد استلهام له، معتبرًا أن الأعراس التراثية تعيد إحياء المظاهر الأصيلة، سواء من خلال الأزياء التقليدية، أو عبر مفاهيم الزفاف ذاتها التي كانت قائمة على التكافل المجتمعي والبساطة.
وأشار بن صراي إلى أن هذه العودة تعكس تحولًا في المفاهيم بين الأجيال، إذ باتت بعض الأمهات اللواتي ارتدين الفستان الأبيض في زفافهن يفضلن اليوم لبناتهن الثوب الإماراتي التقليدي، ما يعكس تغييرًا ثقافيًا مدعومًا بجهود الدولة في تعزيز الهوية الوطنية.
 وأوضح أن حفلات الزفاف هذه لم تقتصر على العروس فقط، بل امتد لتشمل المدعوات أيضًا، حيث أصبحت "المخاوير" والثياب المطرزة والمجوهرات التراثية مثل "المرتعشة" و"النكلس" و"الكواشي" و"الجف القديمة" حاضرة بقوة في حفلات الزفاف، مما ساهم في إحياء أسماء تراثية كانت قد نُسيت لكنها عادت لتترسخ في الوعي المجتمعي.
وأكد بن صراي أن هذا التحول ليس ظاهرة عابرة، بل يأتي في سياق اهتمام أوسع بالتراث الإماراتي، تدعمه الفعاليات الثقافية والمهرجانات التراثية التي تعزز حضور الفنون الشعبية والأزياء التقليدية، داعياً إلى التقليل من البذخ والمبالغة في حفلات الزفاف، مشددًا على أهمية العودة إلى البساطة التي كانت تميز الأعراس الإماراتية قديمًا، حيث لم تكن تشهد تكلفًا في الضيافة أو مبالغة في أعداد المدعوين، بل كانت مناسبة تعكس روح الترابط بين الأهل والجيران.
 وأعرب عن اعتقاده بأن هذا التوجه سيزداد في السنوات المقبلة، مع تنامي الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الإماراتية وترسيخ القيم الأصيلة في المجتمع.

تويتر
log/pix