محكمة الإمارات المتصالحة تنظر جميع الدعاوى
تم تشكيل عدد من المحاكم التي رتبت صلاحياتها حسب الأهمية، في شكل يسمح بالاستئناف، وكانت محكمة الإمارات المتصالحة برئاسة الوكيل السياسي، تعد المحكمة الابتدائية في شتى الدعاوى، وكان مساعد الوكيل السياسي والضابط السياسي في أبوظبي، أو أشخاص معيّنون من قبل وزير الدولة في لندن، يعملون قضاة مساعدين في تلك المحكمة، كما أنشئت «المحكمة العليا للخليج» تحت رئاسة المقيم السياسي قاضياً، لتعمل بصفة محكمة استئناف في القضايا المدنية والجنائية، إضافة إلى عملها بصفة محكمة ابتدائية في بعض القضايا الجنائية.
وطرأ العديد من التعديلات على تحديد الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الخاضعين إلى السيادة القضائية البريطانية على مر السنين، فقد أخضعت أوامر ملكية في عام 1950 لتلك السيادة جميع الأشخاص الواقعين في إطار صلاحيته، باستثناء رعايا أي من حكام الإمارات المتصالحة، من غير الذين انضموا منهم إلى قوة ساحل عمان، أو عملوا لدى شخص محدّد، أو شركة تخضع هي نفسها لهذا الأمر. وتم ادراج مادة في الأمر الملكي الخاص لعام 1956 تنقل السيادة القضائية على بعض الجماعات غير المواطنة إلى الشيوخ، وفي عام 1960 تمت أول عملية نقل سيادة قضائية من هذا القبيل تجري بين الحكّام والحكومة البريطانية، كانت تتعلق بمواطني معظم الدول المسلمة (باستثناء دول الكومنولث المسلمة).
مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام ،1971 تم نقل السيادة القضائية على جميع الناس والمؤسسات وطنية كانت أو أجنبية، ضمن حدود الدولة إلى هذه الدولة، وقد وفرت اتفاقية النقل النهائي للسيادة القضائية، مهلة سماح تتم خلالها تسوية القضايا المعلّقة، وسمحت باستئناف الأحكام الصادرة قبلها، وقد التزمت الدولة الجديدة بالاعتراف بقرارات محكمة الإمارات المتصالحة ومحاكم الاستئناف. اتخذت في عام 1963 الإجراءات اللازمة لنقل السيادة القضائية على بعض القضايا المعيّنة، بالتوازي مع إجراءات نقل السيادة القضائية على جماعات معينة من الناس، وقد ازدادت أهمية إجراءات نقل السيادة بشأن القضايا بالتزامن مع تنامي قيام الإمارات المنفردة بتشريع قوانينها الخاصة حول عدد من القضايا خلال الستينات من القرن الـ.20 وكان كلّ من دبي وأبوظبي رائدتين في طرح عدد من القوانين المتعلقة مثلاً بالرسوم الجمركية وضريبة الدخل، والطرق والنقل الجوي.
وبعد الإعلان في يناير من عام 1968 عن اعتزام الحكومة البريطانية سحب وجودها العسكري من الخليج، وإلغاء المعاهدات التي أنشأت العلاقات الخاصة التي قامت بموجبها، تزايدت وتيرة اصدار التشريعات المحلية وسط تشجيع مستمر من قبل المسؤولين البريطانيين الموجودين في مسرح الأحداث آنذاك، الذين أدركوا أن تلك الإمارات الصغيرة تفتقر بشدّة إلى المؤسسات والقوانين والإداريين، وكان نقل السيادة القضائية يستغرق وقتاً طويلاً في بعض الحالات نظراً لضرورة اصدارها في شكل قوانين ملكية، خصوصاً أن الكثير من القوانين التي أصدرها الحكام لم تنشر بشكل يلفت انتباه المسؤولين البريطانيين تلقائياً. وقد انفردت دبي وأبوظبي بعد عام 1966 بنشر جميع القوانين والقرارات، وكان المسؤولون البريطانيون الذين أدركوا الحاجة إلى تلك القوانين يساعدون غالباً في إسداء النصائح للحكام ودعوتهم إلى مطالبة مستشاريهم القانونيين الوافدين بتشريع مثل تلك القوانين.
وفي عام ،1977 آخر سنوات السيادة القضائية البريطانية في المنطقة، اعتمد عدداً من المراسيم التي سبق أن أصدرها الحكام ولم يتم تفعيلها، كما تم اصدار عدد من المراسيم الجديدة بين عامي 1968و،1971 التي تم اعتمادها ونشرها في الجريدة الرسمية للقوانين الملكية البريطانية على عجل، وهكذا تم الاعتراف بـ31 قانوناً صدرت في إمارة أبوظبي خلال عامي 1969 و،1970 بصفتها «تعديلات في نظام نقل السيادة القضائية في الإمارات المتصالحة لقانون عام 1971 (متفرقات)».
وفي مايو 1971 تم نشر اتفاقية بين حاكم رأس الخيمة والحكومة البريطانية بشأن أربعة قوانين (قانون تعويض العمال، قانون ضريبة الدخل، قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية) بصفتها نظاماً صادراً عن الملكة. وأبرم المزيد من تلك الاتفاقات خلال عام ،1971 إما مع المشيخات كل على حدة، أو مع الإمارات المتصالحة ككل.
وتم خلال العقدين اللذين مارست فيهما بريطانيا السيادة القضائية في الإمارات المتصالحة، تشريع عدد كبير من الأنظمة المناسبة لظروف تلك الإمارات.
وهكذا عاشت الإمارات المتصالحة عقدين من الزمن تحت ظل التشريع والقضاء البريطانيين في ثلاثة مجالات، وقد تمثل أول تلك المجالات في تطبيق القوانين المعدّة للمستعمرات البريطانية في أماكن أخرى من العالم من دون تغيير، وثانيها في تعديل القانون البريطاني بما يتماشى مع ظروف منطقة الخليج بأكملها أو الإمارات المتصالحة فقط، في حين تمثل الثالث في ما أفرزته المفاهيم القانونية الإنجليزية في بعض الحالات، من تأثير قوي عندما كانت السلطات المحلية تصدر أنظمتها وقوانينها الخاصة بها. غير أن ذلك التأثير كان سطحياً وطفيفاً بالمقارنة معه في معظم الدول الأخرى التي كانت مستعمرات بريطانية سابقة. ولم يستمر ذلك التأثير لفترة طويلة بما فيه الكفاية ليتحول إلى تقاليد راسخة، كفيلة بأن تجعل من الرجوع إلى المبادئ القانونية البريطانية، أمراً بديهياً وتلقائياً حتى بعد انفصام عرى الروابط مع النظام القانوني البريطاني.
ومع تسارع تشريع القوانين الجديدة على الصعيدين المحلي والاتحادي بعد عام 1971 تم تعديل القوانين الجديدة وفق النماذج المصرية والسودانية والأردنية التي سبق لها التوفيق بين مبادئ القوانين الفرنسية والبريطانية والشريعة الإسلامية. ولأهداف عملية، ولأنه كان هناك في بعض الحالات تأخير طويل في صدور القوانين المحلية أو الاتحادية، فقد ظلّ العديد من الأنظمة القديمة قائماً لسنوات عدّة، أما بالنسبة للمسائل المتعلقة بالتجارة والعقود بصفة خاصة، فقد ظلت خاضعة لفترة طويلة لأحكام القانون الهندي أو القانون الذي تم تشريعه خصيصاً للإمارات المتصالحة، لأن أطراف العقود المدنية كانت تتوافق على اتباع تلك القوانين بدلاً من اتباع أية قوانين أخرى غريبة، في دولة لم تقم بعد بتشريع شتى القوانين التجارية الملائمة والخاصة بها.
المصدر: من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فراوكه هيرد ـ باي