في ذكرى ميلاده.. تعرف إلى لوحة "آكلوا البطاطا" لـ فان غوخ
يصادف اليوم ذكرى ميلاد الرسام الهولندي فينست وليم فان غوخ، الذي ولد في 30 مارس 1854، وتوفي في 29 يوليو 1890.
بدأ فان غوخ حياته الفنية متأخرًا ومات مبكرًا ، ولكنه على مدى عشر سنوات رسم ما يقرب من 900 لوحة ، وكان من أشهرها لوحة "آكلوا البطاطا".
"آكلوا البطاطا" لـ فان غوخ.. لوحة بائسة تعكس واقع الفلاحين القاسي
فلاحون بأيدٍ خشنة ومجعّدة، ووجوه قاسية الملامح، بارزة العظام يُضيئها نور خافت من فانوس معلق، وصحن بطاطس كبير تمتد إليه أصابع تبدو كالعظام لفرط هزلها وضعفها، وامرأة تصب القهوة، وطاولة بأطراف مهترئة ومتآكلة. كانت كل هذه تفاصيل رسمها الفنان الهولندي فينسنت فان غوخ في لوحته الشهيرة "آكلو البطاطا" التي قد لا تنجذب العين لها بسهولة لكآبة جوها وملامح شخصياتها الدميمة إلى حد ما.
تُصنّف لوحة آكلو البطاطا بأنّها من أقدم أعمال فان غوخ الفنية المميزة. وتوجد اللوحة الآن في متحف فان غوخ بأمستردام. كما توجد لوحة زيتية أولية لها أيضا في متحف كرولر مولر في أوتريلو. وتمت صناعة مطبوعات حجرية للصورة، محفوظة في مجموعة أعمال فان غوخ في متحف الفن الحديث في مدينة نيويورك.
أنتج فان غوخ هذه اللوحة في الفترة ما بين أبريل ومايو من العام 1885.وكان في الثانية والثلاثين من العمر.
تُوضّح هذه اللوحة تعلّق فان غوخ بالحياة البسيطة لعامة الناس، وكان عليها أن تصوّر الواقع القاسي للحياة الريفية، لذا أعطى الفلاحين وجوهًا خشنةً بارزة العظام، وأيديَ عاملة، فقد أراد أن يُظهر بهذه الطريقة أنّهم أزالوا الأرض بأنفسهم بهذه الأيدي التي يضعونها في الطبق وأنهم بذلك كسبوا طعامهم بأمانة.
وكان فان غوخ يشعر بالتعاطف مع أصحاب المهن الدنيا والبسيطة كالصُنّاع والفلاحين. وكان هو نفسه يعيش آنذاك حياة الكفاف إذ كان يسكن بيتا قديما وينام على سرير مهلهل ويجاهد في أن يعيش حياته يوما بيوم. فلم تكن الحياة جميلة ولا سهلة بالنسبة له، إذ كان يرى الكثير من العيوب ومظاهر الدّمامة من حوله، وقد أظهر بعض تلك العيوب في لوحاته.
في هذه اللوحة رسم فان غوخ عائلة من الفلاحين تتكون من خمسة أفراد، رجلان وامرأتان وشابة، يجلسون حول مائدة ويأكلون البطاطس على ضوء مصباح شاحب.
واختار لذلك نظام الألوان المظلمة والأحادية، حيث غلب اللون الأخضر على لوحته مع درجات متعددة من البني الغامق، والأصفر المائل إلى الحمرة القليلة، والإضاءة في اللوحة داخلية يصدرها المصباح الزيتي المعلق في السقف، وهو أكثر ما يجذب الانتباه في هذه اللوحة من خلال الطريقة البارعة التي وزّع بها الفنان الضوء في زوايا وأرجاء الغرفة.
ثم هناك الامرأة التي تصبّ القهوة، ومنظر الطاولة بأطرافها المهترئة والمتآكلة. وهناك أيضا صحن البطاطس الكبير والأصابع الممتدّة نحوه والتي تبدو كالعظام لفرط هزالها وضعفها. وهي من وجهة نظر فان غوخ، نفس الأصابع العارية التي يحفر بها هؤلاء الفلاحون البسطاء أرضهم ليكسبوا لقمة عيشهم بجدّ وتعب وأمانة.
وكان فان غوخ صرح بأنه يريد تصوير الفلاحين كما هم. فاختار عينة خشنة وقبيحة عن قصد، معتقدا بأنه سيحصل بذلك على لوحة أكثر طبيعة قائلا: "كما ترون، فقد أردت وبشدة تخليد تلك اللحظة. لحظة هؤلاء الناس وهم يأكلون البطاطس على ضوء مصابيحهم الصغيرة بأيديهم الخشنة التي يزرعون الأرض بها. مطمئنين على أنهم حصلوا على طعامهم بأمانة. إن هذة اللوحة تخلد نمط عيش مختلف كليا عن النمط الحضاري. لذلك فأنا لا أريد أي أحد أن يعجب باللوحة بدون أن يعرف لماذا قمت برسمها".
ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت هذه اللوحة التي يعتبرها النقّاد اليوم واحدةً من أعظم لوحات فان غوخ، رغم أن اللوحة لم تحقّق ذلك النجاح الكبير خلال حياته.
ومن الجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت للوحته تلك، وعلى رغم مئات اللوحات التي رسمها لاحقاً وحققت له سمعته العالمية، إلا أن فان جوغ (1853-1890)، ظل مؤمناً بأن "آكلو البطاطا" هي عمله الأكبر، هو الذي قال عنها "اذا لم تكن لي قيمة فنية حقيقية مرتبطة بهذه اللوحة، لن تكون لي اية قيمة فنية حقيقية بقية حياتي، مهما حققت من أعمال".