الكلب رقم 410.. أول من تم علاجه بالأنسولين من السكري
مكتشف الأنسولين.. من طبيب مغمور إلى منقذ حياة مرضى السكري حول العالم
مع بداية القرن العشرين كان داء السكري يطلق عليه "آفة العصر"، حيث انتشر في الكثير من بلدان العالم وأصيب به الآلاف من الأشخاص الذين توفي الكثيرون منهم لعدم وجود علاج له، حيث كان الحل الوحيد لإبطاء السكري، في ذاك الوقت، هو اتباع حمية غذائية قاسية تعتمد على تناول ما لا يزيد على 500 سعرة حرارية يومياً، والابتعاد نهائياً عن الكربوهيدرات، مع العلم أن جسم الإنسان يحتاج نحو 2000 سعرة حرارية، وأن الكربوهيدرات ضرورية لتغذية الجسم، لذا فقد عانى مرضى السكري المجاعة والضعف الشديد، ولا سيما الأطفال منهم الذين هم بأمس الحاجة إلى التغذية الجيدة لتنموا أجسادهم.
واستمر العلماء في البحث عن علاج لذلك المرض الحساس إلى أن جاء يوم توصل فيه العلماء إلى وجود علاقة بين البنكرياس والسكري، فقام عالمان ألمانيان بإجراء تجربة أزالوا خلالها البنكرياس من الكلاب لتصاب الكلاب بأعراض مطابقة لأعراض مرض السكري. وما إن انتشرت تلك القصة حتى ألهمت طبيباً مغموراً هو الدكتور فريدريك بانتينغ، بتطوير هذه الأبحاث وإجراء تجارب كثيرة حتى توصل إلى العلاج.
وجاءت بداية اكتشاف العلاج في عام 1920، بعد عودة الدكتور بانتينغ من إحدى جبهات الحرب العالمية الأولى، وكان عمره حينها 29 عاماً، وقام بتأسيس عيادة خاصة له في مسقط رأسه في مدينة لندن الكندية، التي تقع في جنوب غرب مقاطعة أونتاريو.
وكان دخل عيادة بانتينغ ضعيفاً للغاية، لذا قرر أن يقوم بإعطاء بعض المحاضرات في الجامعة بمدينته، وكانت إحدى هذه المحاضرات عن استقلاب الأطعمة النشوية بعد أكلها، فاضطره هذا الموضوع إلى اللجوء إلى المراجع المتوافرة حول موضوع المواد النشوية خصوصاً الجلوكوز، واحتمال أن يكون للبنكرياس دور في تحويلها واستقلابها، ففكر في أن يكمل أبحاث من سبقوه من العلماء في هذا المجال.
استحوذ موضوع الجلوكوز على تفكيره ليلاً نهاراً، وقال لنفسه إنّ دخل العيادة لا يغطي نفقاتها، ومن دون تردد أغلق عيادته وتوجه إلى جامعة تورونتو في كندا، وقابل رئيس قسم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) البروفيسور جي جي ماكليود (J. J. Macleod) ليعرض عليه أفكاره، وطلب منه أن يعمل تحت إشرافه لعمل تجارب حول دور البنكرياس في استقلاب الأطعمة النشوية إلى سكريات.
كانت الفكرة التي تدور في ذهنه أن هناك مادة مجهولة يصنعها البنكرياس هي المسؤولة عن استقلاب المواد النشوية، هذه المادة المجهولة التي لم يستطع أحد اكتشافها إلى ذلك الحين.
وبعد تردد كبير، وافق البروفيسور ماكليود، تحت إلحاح وحماس الدكتور بانتينغ، أن يسمح له بإجراء تجاربه في مختبر صغير مهجور، وعين له مساعداً من طلبة الماجستير هو شارلز بست.
سمح البروفيسور ماكليود لهما بإجراء التجارب على 10 كلاب، ليستطيع د. بانتينغ أن يجري تجاربه على كلبين كحد أقصى في اليوم الواحد.
فقام الطبيبان بالتوسع بالتجارب الطبية على الكلاب، وتوفيت جميع الكلاب التي خضعت للتجارب، حتى فقد بانتينغ الأمل في نجاح تجاربه، إلى أن نجحت التجربة بعد محاولات فاشلة عدة على الكلب رقم 410، بعد أن تم حقنه بخلايا بنكرياس كلب سليم، وبعد مرور ساعة قام بانتينغ بتحليل دمه، ومن هنا لم يصدق نفسه من المفاجأة، حيث اكتشف وصول نسبة السكر في دم الكلب إلى المعدل الطبيعي، وبذلك يكون الكلب رقم 410 هو أول من تم علاجه بالأنسولين من داء السكري.
وبعد نجاح التجارب على الكلاب تم تجربتها على البشر، وفي يوم 11 يناير 1922، تم اختيار الشاب ليونارد ثومبسون (Leonard Thompson ) وعمره 14 سنة، لتجربة اللقاح الجديد، كان ثومبسون على حافة الموت من مضاعفات مرض السكري؛ شديد الهزال، شديد الجفاف، وحرارة جسمه مرتفعة جداً وكانت نسبة الجلوكوز في الدم 440 ملغ%.
حقن ثومبسون بالأكسير الذي أطلق عليه اسم الأنسولين، وكان الجو مملوءاً بالترقب والخوف والأمل، مرت الدقائق ببطء شديد، ولكن بعد ساعة، انخفضت نسبة السكر في دم الشاب إلى 220 ملغ%، واستمرت بالانخفاض إلى أن وصلت إلى 10- ملغ% بعد 12 ساعة.
نجحت التجربة، لكن ثومبسون عانى مضاعفات الحساسية الشديدة، ما اضطر د. بانتينغ الى وقف العلاج، لأنه استنتج أن العلاج بحاجة إلى المزيد من البحث، وبعد 12 يوماً من العمل استطاع الصيدلي كوليب تنقية محلول الأنسولين واستأنف علاج الشاب الذي كتبت له حياة جديدة.
احتل بانتينغ غلاف صحف عدة وصار حديث العالم، ما دفع رجل أعمال أميركياً إلى المجيء عنده وعرض عليه مليون دولار، لكي يصبح الأنسولين أميركياً، إلا أن بانتينغ رفض، وقال له سيظل ابتكاراً ينسب لوطني كندا.
وفي عام 1923 أعطيت جائزة نوبل للدكتور "بانتينغ"، وعندما أعلنت أسماء الفائزين بجائزة نوبل عام 1923، أعطيت الجائزة مناصفة للدكتور بانتينغ والبروفيسور ماكليود، فرفض بانتينغ ذلك، قائلاً إن من كان ينام في المختبر مع الكلاب لم يكن ماكليود بل السيد بست، فردّ عليه ماكليود إن من يستحقها حقاً هو الصيدلي كوليب، وهكذا اقتسم الأربعة جائزة نوبل للمرة الأولى في التاريخ.