130 عاما على رحيل "الرجل الفيل".. جوزيف ميريك.. قصة عذاب ومعاناة

يصادف اليوم الذكرى 130 على رحيل جوزيف ميريك، الملقب بـ "الرجل الفيل". وهو رجلٌ إنجليزي، ولد في 5 أغسطس 1862، وتوفي في 11 أبريل 1890، وكان يُعاني من تشوّهات خلقية شديدة سببها متلازمة أُطلق عليها اسم "بروتيوس"، وهي إحدى أشكال اضطراب الجينات .
 
وُلد ميريك لأب وأم طبيعيين وكان عنده أخ وأخت، وفي عمر السنتين، بدأت تظهر عليه أعراض تشوهات ونتوءات في الجسم والوجه والرقبة وتضخم الفم والشفة واللسان لدرجة أنه كان يصعب عليه الكلام ومن ضخامتهم، وبدأت ملامحه تتغير بشكل غريب حتى أطلق عليه الأشخاص من حوله لقب "الرجل الفيل".

كان حجم رأسه 91 سنتيمترا، وساعده الأيمن 30 سنتيمترا، وبلغ محيط أحد أصابعه 13 سنتيمترا، وكان الأطفال ينفرون منه ويرمونه بالحجارة ويسخرون من شكله، إضافة إلى أنهم ابتدعوا عليه إشاعات مؤلمة، فكان يركض إلى والدته، التي كانت سنده الوحيد وملجأ أمانه في هذه الحياة، ويبكي في حضنها.
 
توفيت أمه عندما بلغ الـ 11 من عمره، تاركة إيّاه في عهدة أب لا يأبه له، فقام بطرده من المنزل عندما بلغ الثانية عشر مما أجبره على البحث عن عمل في كل مكان، إلا أن السخرية والاستهزاء به كانا يلاحقانه في كل مكان يذهب إليه.
 
وفي سن السابعة عشرة، وُضع ميريك في ملجأ للمشردين، لكنه هرب منه بعد سنوات بعدما أصبحت حياته فيه أسوء مما كان عليه من قبل، فلم يجد بعدها ملجأ سوى في سيرك المسوخ و هو نوع من السيرك يقوم بعرض الناس ذوي الأشكال الغريبة و التشوّهات الخلقية ليأتي الناس و يتفرجّوا عليهم و يتسلّوا بهم.

عاش ميريك مراهقة صعبة، وأمضى حياته في السفر لتقديم عروض، وكان صاحب السيرك السيّئ المدعو "بيرتس"، يقوم باستغلاله بأبشع الطرق، فأخذه ووضعه في قفص في إحدى دور السيرك و أستغل شكله الغريب ليقوم بعرضه أمام الناس على أساس أنه شبيه بالفيل و أطلق عليه أسم "الرجـــل الفيل"، وبدأ يلف به المدن، وكسب مبالغ رهيبة من الطامعين في رؤيته، وأثناء العرض، كانت الناس تضحك عليه وتشتمه وترميه بالحجارة والطماطم وينادوه "المسخ".

وبعدها أوقفت بريطانيا سيرك المسوخ ورجع للشارع مرة أخرى، إلى أن قابل بالصدفة طبيب اسمه تريفيس وتعاطف معاه وعرض مساعدته عليه، إلا أن جوزيف رفض في البداية، وبعدها وافق بعد معاناته من التشرد.

وسمعت الملكة ڤيكتوريا عن معاناة جوزيف. وأعطت الدكتور تريفيس جميع الصلاحيات لإيوائه في مستشفي في بريطانيا. مع جميع سبل الراحة له، حيث وفروا له السرير الدافئ والوجبات الساخنة والرعاية الصحية وجميع متطلباته. وأصبح جميع العاملين في المستشفي يتقربون إليه ويحبونه. كما أنه كان يجيد القراءة والكتابة في وقت كانت بريطانيا غارقة في الأمية. وكان مثقف جدا وقارئ ومحلل ممتاز لروايات شكسبير وكان يكتب الروايات والشعر ويصنع المجسمات الهندسية المتقنة.

ومع الأيام بدأت تتوافد عليه الزيارات من العـائلات الإنجليزية الراقية للجلوس معه وتبادل الحديث، حتّى أن إحدى نجمات ذلك الوقت وتدعى السيدة كاندل قابلت جوزيف ميريك و تحدثت معه حول المسرح وشكسبير، والاتجاه الواقعي و الرومانسي في الفن، فأظهر ما بداخله من أحاسيس و أفكار و رؤى تجاه الفنّ.

كان ميريك يتمنى امنية واحدة، فكان يقول "كنت أتمنى أن تحبني إمرأة حتى لو كفيفة"، إلا أنه مات وهو متعطش إلى إمرأة تبادله الشعور بالحب.

توفي ميريك عن عمر 27 عاما، وكانت نهايته حزينة، حيث فوجئ العاملون بالمستشفى بموته، عندما دخلت الممرضة لمساعدته على التقلب على جانبيه، إذ أنه بسبب ثقل وزنه لم يستطع فعل ذلك، فوجدته مستلقيا على ظهره، وكانت وفاته بسبب الاختناق، حيث انه كان معتادا على النوم على جانبه بسبب كبر حجم رأسه، إلا أنه اختنق بعدما انقلب على ظهره ولم يستطع التنفس نتيجة لكبر حجم اللسان والحنجرة.

وشرح الأطباء جسد ميريك بعد وفاته، واحتفظوا بهيكله العظمي كنموذج تشريحي في مستشفى لندن الملكي.

ألهمت قصته عددا من مؤلفي الكتب، والمسرحيات، وفي سنة 1980تم انتاج فيلم "الرجل الفيل"، والذي يحكي قصة حياة ميريك، ولاقى نجاحا كبيرا، كما رشح لـ 8 جوائز اوسكار.
 

الأكثر مشاركة