4 أعوام على رحيل مكافح العنصرية وأسطورة الملاكمة.. محمد علي كلاي

يصادف اليوم 3 يونيو الذكرى الرابعة لرحيل أسطورة الملاكمة الأميركي محمد علي كلاي، الذي فارق الحياة عن عمر يناهز 74 عاماً، بعد مضاعفات تنفسية نقل إثرها إلى أحد مستشفيات مدينة فينيكس في ولاية أريزونا الأميركية، وقد ارتبطت تلك المضاعفات بمرض الباركنسون الذي شخصت إصابته به في ثمانينات القرن الماضي.

لاسم محمد علي كلاي وقع خاص في التاريخ الحديث، ليس فقط الرياضي، بل السياسي والفكري، لما كان له من مواقف ثائرة وفريدة تجاه العديد من القضايا حول العالم بشكل عام، وتجاه العنصرية الأميركية ضد السود بشكل خاص، كما أن إشهاره إسلامه جعل منه "الرجل الأكثر شهرة في العالم" ودفع ثمن هذا الموقف كثيراً في ما بعد.

حياته

ولد الملاكم الأميركي باسم «كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور» في 17 يناير 1942 بمدينة لويفيل بولاية كنتاكي، كان ولداً لعائلة أميركية سوداء من الطبقة المتوسطة، وكان والده ميثودياً، لكن أمه ربته وأخاه على المذهب المعمداني، إلا أنه اعتنق الإسلام عام 1964، وغير اسمه إلى محمد علي دون اسمه الأخير «كلاي».

بطولاته

فاز كلاي ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى 20 عاماً في: 1964 و1974 و1978، وفي عام 1999 توج بلقب «رياضي القرن»، وهي جائزة مقدمة من مجلة «سبورتس إيلاستريتد»، كما حصل على اللقب نفسه بعد استفتاء أقامته صحيفة لاغازيتا ديلو سبورت الإيطالية، بعدما حصل على 71.2% من الأصوات، متفوقاً على العديد من الرياضيين، منهم دييغو مارادونا.

كان محمد علي يصف نفسه بأنه «يطير كالفراشة، ويلسع كالنحلة»، وهو صاحب أسرع وأقوى لكمة في العالم، حيث تعادل قوتها نحو 1.000 باوند.

ووصفه الملاكم جورج فورمان الذي خسر لقب البطولة العالمي الذي يحمله بعد نزاله الشهير مع كلاي في كنشاسا عام 1974 بأنه أعظم إنسان قابله في حياته، مضيفاً "إن وصفه بالملاكم فقط أمر غير عادل".

رفضه خدمة الجيش الأميركي في حرب فييتنام وتجريده من لقبه

اشتهر محمد علي بمواقفه المفاجئة والمباشرة، فكان حاسماً بما يقرر ويقول حتى لو كلّفه الأمر أثماناً باهظة. كان مدافعاً عن حقوق الناس ليس فقط في أميركا، ومناهضاً للسياسات الخارجية لبلاده في العالم. ومن مواقفه الأكثر حزماً، كان رفضه الالتحاق بالجيش الأميركي في حربه في فيتنام عام 1967، إذ قال في تصريح شهير، إنه ليس له علاقة بالفيتناميين، ولم يلحقوا به أي أذى من قبل، لذا ما من سبب لأن يقاتلهم.

اتهم محمد علي بعد ذلك بالخيانة لبلده وانتقد هذا القرار الكثير من مشجعيه الأميركيين، وجرّد من ألقابه العالمية. أوقف قسراً عن اللعب أربع سنوات، وتعرّض لمحاكمات عدة حتى تم تجريمه بـ"رفض أداء الواجب العسكري الوطني"، وحكم عليه بخمسة أعوام سجناً وعشرة آلاف دولار أميركي، قبل أن يوقف تنفيذ الحكم.

وفي هذا الصدد قال الناشط في حركة الحقوق المدنية جيسي جاكسون إن محمد علي كان راغباً في التضحية باللقب والمال من أجل مبادئه عندما رفض في عام 1967 الانخراط في الخدمة العسكرية إبان الحرب الفيتنامية.

محمد علي كلاي: "سأقاتل لأجل الكبرياء، وليس لأجلي، وسأقاتل لأجل حمل أخواني الصغار الذين يفترشون الطرق في أميركا اليوم".

محمد علي كلاي: "لن أسافر 10 آلاف ميل بعيداً عن وطني للمساعدة في قتل وحرق أمة عاجزة أخرى لاستمرار سيادة البيض على المجتمع الأسود حول العالم".

كلاي.. ناشط من أجل المساواة في الحقوق المدنية للسود

كان كلاي ناشطاً من أجل المساواة في الحقوق المدنية للسود، فضلاً عن كونه بطلاً عالمياً في حلبات الملاكمة، وقد أجاب مرة عن سؤال كيف يود للعالم أن يتذكره قائلاً "كرجل لم يبع أبداً أهله، وإذا كان ذلك كثيرا (علي)، إذن مجرد ملاكم جيد".

ورأى الكثيرون في كلاي أحد أعمدة الثقافة المضادة وبطل قضية السود الذين كانوا يناضلون من اجل المساواة في الحقوق.

وكان لاعب كرة السلة وأفضل مسجل في تاريخ دوري كرة السلة الاميركي للمحترفين كريم عبدالجبار، قد أشاد بشجاعة محمد علي في كفاحه ضد التمييز العنصري، قائلاً: "في الوقت الذي اعتقل فيه السود الذين تحدثوا عن الظلم ووصفوا بالمتمردين على مكانتهم الطبقية، ضحى محمد بأفضل سنوات مسيرته لكي يقف شامخاً ويكافح من اجل ما يعتقد أنه حق". وواصل: "ما قام به جعل الأميركيين، البيض والسود منهم، يقفون شامخين. قد أكون 7 أقدام و2 إنش لكني لم أشعر يوماً بالطول الذي شعرت به عندما كنت أقف في ظله".

رجل ناضل من أجل قناعته

عندما سئل محمد علي كلاي عن كيف يحب أن يذكره الناس، أجاب: "كرجل لقّب ببطل العالم في الوزن الثقيل ثلاث مرات، يملك روحاً مرحة وعامل الناس بشكل صحيح. كرجل لم ينظر يوماً بفوقية إلى أناس نظروا إليه كرمز، ناضل من أجل قناعاته، وحاول توحيد البشرية جمعاء من خلال الإيمان والحب... ولكن، إن كان هذا كثيراً، أعتقد أنني سأكتفي بأن يتذكروني كملاكم عظيم، أصبح بطلاً وقائداً لشعبه، ولن أمانع أبداً إذا لم يتذّكروا وسامتي".
 
اعتزاله الملاكمة ورحيله

اعتزل محمد علي كلاي الملاكمة عام 1979، بعد مسيرة حافلة تضمنت 56 فوزاً، منها 37 بالضربة القاضية، وخمس هزائم، وتوج باللقب العالمي ثلاث مرات.

أصيب محمد علي عام 1984 بداء باركنسون (الشلل الرعاش)، وتدهورت حالته الصحية عام 2005 بشكل ملحوظ، وتوالت بعدها نكساته الصحية، حيث كان يمضي فترة من الوقت كل سنة في مستشفى بمدينة فينيكس بولاية أريزونا.

ونُقل في فبراير 2013 إلى المستشفى، وصرّح شقيقه رحمن علي لصحيفة نيويورك بأنه في حالة حرجة، وقد يرحل في أيّ لحظة، قبل أن تنفي ابنته ذلك، كما عانى التهاباً في الرئة والبول أُدخل على أثره المستشفى عامي 2014 و2015.

وفي الثاني من يونيو عام 2016، أدخل كلاي للمستشفى مُجدداً بسبب مشكلة في التنفس، وبعدها أكّدت الصحف والقنوات العالمية أن الملاكم الأسطوري يحتضر فعلاً، وأن عائلته تتجهز لإجراء مراسم الدفن، بعدما أعلن الأطباء أنه على وشك الموت، قبل أن تُعلن وفاته صباح 3 يونيو 2016. وتم تشييع الجنازة في مسقط رأسه لويس فيل كنتاكي.

أوباما: "لقد قاتل من أجلنا"

عند رحيل محمد علي كلاي، تصدر الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما الاشخاص الذين رثوا أسطورة الملاكمة، وقال: " إن محمد علي هز العالم، وبات العالم أفضل إثر ذلك".

وأوضح أوباما حينها أنه يحتفظ في مكتبه الخاص في البيت الأبيض بقفازي الملاكمة الخاصين بكلاي و"صورة فوتغرافية شهيرة له عندما كان بطلا شابا بعمر 22 عاماً وهو يزأر مثل أسد فوق الملاكم سوني ليستون الساقط على أرض الحلبة".

وشدد أوباما على القول إن كلاي "قاتل من أجلنا" وحيا وقوفه صامدا كما هي الحال مع أبرز دعاة الحقوق المدنية كمارتن لوثر كنغ ونيلسون مانديلا، إذ "تحدث عندما سكت الآخرون".

يشار إلى أن وفاة كلاي أثرت في الكثيرين حول العالم، وكان هناك ردات فعل فورية بعد الإعلان عن هذا الخبر، جاءت من رياضيين وسياسيين، وكان منها ما كتبه أحد الملاكمين المعاصرين، بطل الملاكمة الشهير فلويد مايويذر: "لن نرى محمد علي آخر. مجتمع السود حول العالم وكل السود حول العالم في حاجة إليه. كان صوتنا. هو صاحب الصوت الذي بسببه أتواجد في مكاني اليوم."
 
 
تويتر