في الكندورة
في لقاء صبيحة العيد الماضي مع الإعلامي السعودي علي الظفيري على قناة الجزيرة الفضائية، كان الظفيري يرتدي الكندورة والغترة على الشاشة على غير العادة! وقد طرح نقطة جوهرية عندما سُئل عن عدم ارتدائه الزي الوطني في المقابلات التي يجريها، أو أثناء قراءته نشرات الأخبار، إذ قال إن السبب يتلخص في أن مرتدي هذا الزي إذا نجح فسيعزي الآخرون نجاحه إلى الزي لا إلى الشخص نفسه، أو أنه دُفع دفعاً ليكون ضمن الناجحين، وإذا فشل فسيُعزى الفشل إلى هذا الزي أيضاً، حيث إن أصحابه ليسوا في مستوى «المتنورين».
امتلك علي الظفيري بلاشك شجاعة ليقل ما يتردد كثيرون في قوله، فلاتزال ترسبات الماضي تعشش في كثير من المؤسسات وتحكم حتى آليات التعيين والتطوير فيها. فكم من الأكفاء رُفضوا أثناء مقابلات التوظيف؛ لأنهم لم يرطنوا بكلمة أو اثنتين بالإنجلو-عربي، ولم يقولوا: «باي» قبل توديع اللجنة، أو «هاي» لدى دخولهم إليها.. وكم من الكفاءات تم تجاهلهم أثناء الترقيات؛ لأن أصحابها لم يحضروا حفلات «الكوكتيل» أو اعتذروا عن الرقص مع عضوة مجلس الإدارة أثناء الحفل السنوي.
الأمر لا يتعلق باللباس بل بعادات وأنماط تفكير، تجعل البعض يعتقد بأن الالتزام بالموروثات يتعارض مع التطور والتنور والترقي في العمل.. ما يدفع البعض للتخلي عنه شيئاً فشيئاً.
بالمتوسط يصل عدد الكنادير التي يفصّـلها الشخص بين 15 و30 كندورة سنوياً يتراوح سعر الواحدة بين 200 و700 درهم بحسب المواصفات والـ(تزويد)، وحسب المحال التي تحمل أسماء الرتب من الملازم إلى المشير والمهيب.. وربما سنرى (الرهيب) في وقت لاحق.. هذا علاوة على شراء طاقيتين أو ثلاث على سبيل الاحتياط، أضف إلى ذلك غسل وكي بمعدل 50 درهماً أسبوعياً.. وغتر وخلافه بنحو الـ100 شهرياً.. والنعول - أعزكم الله - لها حسبة أخرى.
باختصار ينفق الشاب، متوسط الطول، ما يقرب من مرتب شهر كامل سنوياً حفاظاً على الزي الوطني ومستلزماته.. أفلا يستحق بعد كل هذا أن يحصل على فرص عادلة في الوظيفة من دون النظر إلى ما يرتدي أو ما لا يرتدي! ولعل كثيرين لم يسمعوا بالحديث الشريف «كونوا كالشامة بين الناس».
أثناء بحثي المستمر بلا طائل عن الغريب في ألبومات الصور التي يمتلكها المواطنون، لاسيما تلك التي تعود إلى فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، أراني صديقي صورة لجده كان فيها يتوسط مجموعة من المواطنين في الساحل الشرقي، وكانت الصورة للجميع بالزي الوطني عدا جده الذي كان يرتدي بدلة و(كرافتة) بدت لافتة عليه بملامحه السمراء وبنيته النحيلة وفي شمس الظهيرة الحارقة.. سألته عن السبب وأنا مستغرب بحق، نظر مليّـاً إلى الصورة، وقال لي بفخر حقيقي: لقد كان جدي متعلماً آنذاك..!