ميشيل وفينيس

باسل رفايعة

        
أعني ميشيل بالمر وفينيس آكروز، وهما بريطانيان، قضت محكمة جنح دبي أمس بحبسهما ثلاثة أشهر، وتغريمهما وإبعادهما، بعدما ثبت لها أنهما «مارسا الجنس على شاطئ عام في دبي وعلى مرأى من المارة».

ربما لم يشفِ الحكم غليل كثيرين، خصوصاً بعد استفزازات، وفوقيّة حضارية، تعامل بها العاشقان الإنجليزيان مع ردود الفعل على فضيحتهما، ومحاولة الاختباء خلف عناوين كبيرة مغرية، مثل: الحرية الشخصية، وحقوق الإنسان، واختلاف الثقافات.

طبعاً، يريد الناس، لاسيما نحن العرب، أن تحصل ميشيل وصاحبها على السجن المؤبد على الأقل. فهما مارسا الجنس علانيةً، وكانا مخمورين في مكان عام، وكذبا حينما قالا إنهما لا يعرفان قوانين الدولة وقيمها الثقافية والاجتماعية، وكأن ما فعلاه جائز قانوناً على ضفاف نهر التايمز، وممنوع على رمال جميرا فقط!

لكن القوانين وتقديرات القضاة لا علاقة لها بمشاعر الناس ومواقفهم، ولا ينبغي لها أن تكون. وأرى أن الحكم الذي صدر بحق ميشيل وفينيس مريحٌ وعادل، ويكتسب أهمية استثنائية لجهة الرسائل التي وجهها في اتجاهات عدة، ولجهة الأسلوب الجديد الذي تعامل به القضاء مع الضغوطات الخارجية، على نحو من الثقة بالنفس، والاتزان في التعاطي مع النتائج.
البريطانيان استفادا من حرية الصحافة في بلادهما في ترويج قضية خاسرة، في حين ظلت صحافتنا المحلية متحفظة جداً، ودفاعية، ومترددة في قضية قانونية بحتة، من السهل تحقيق مكاسب مباشرة ومقنعة فيها، في ظلّ تأكيد السفارة البريطانية في الدولة أنها محض مسألة قضائية، وأنها لا تتدخل فيها، إلا في إطار توكيل محامين للمتهمين. علاوة على أن كثيرين من البريطانيين المقيمين في الدولة لم يظهروا أي تعاطف مع العاشقين، وطالبوا بملاحقتهما. 

لذلك، فقد وجّـه الحكم رسالة إلى جاليات الدول الغربية الكبرى بأن الصورة الشائعة عن حصانة متخيلة لهم، تحول بينهم وبين المساءلة والالتزام بالقوانين ليست صحيحة، أو أن هناك نهجاً مختلفاً على وجه الدقة، وعلى أكثر من 200 جنسية أن تتعايش، بعيداً عن الوهم بتميز جنسية على أخرى. فنتائج انتهاك القانون لا تختلف باختلاف الجنسيات، وأنّ ما كان يصحّ في الماضي لاعتبارات لها علاقة بظروف خاصة اقتضتها مراحل خاصة أيضاً، لم يعد يصح الآن، بعدما أصبحت دبي وأبوظبي وجهتين بارزتين عالمياً، وتمثل الإقامة والعمل فيهما طموحاً لأميركيين وبريطانيين وأوروبيين. لقد توقع كثيرون البراءة لميشيل وصاحبها، وقيل إن القضاء لن يعدم مخارج لهما، تحت ظن أن الدولة تريد إغلاق باب الذرائع على المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وتقاريرها السنوية ذات الاستخدامات المتعددة.
 
ومن أجل ذلك فإن الحكم يؤشر على فهمٍ مختلف للعلاقة مع العالم، ويفتح الباب لوسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية في الدولة لتدشين نقاش جاد، تسهم فيه النخب في هذه التركيبة السكانية المتنوعة على قاعدة الحفاظ على المصلحة العامة، وبمعزل عن الشعور بالتفوق، أو الظن بإمكانية الاستقواء على الدولة والمجتمع!     

baselraf@gmail.com

تويتر