الرواية العربية الجديدة

يوسف ضمرة

في تقديمه لكتابه الصادر حديثا عن سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية بعنوان «أنماط الرواية الجديدة»، يقدم الدكتور شكري عزيز ماضي نقاط الافتراق والاختلاف بين الروايات التقليدية والحديثة والجديدة.

واللافت هو في تلك المحاولة الصارخة لوضح حد فاصل بين الروايات الثلاث، إضافة إلى وضع «اللارواية» ضمن الرواية العربية الجديدة، من دون الإشارة إلى أن اللارواية أو «رواية الضد» مصطلح أطلق على مدرسة روائية فرنسية، كما هو معروف، تزعمها الروائيان الفرنسيان آلان روب غرييه وكلود سيمون، ولم يكن لهذه الموجة أي تأثير يذكر في الرواية العربية، على الرغم من انفتاح الرواية العربية على التجارب الروائية العالمية. ويمكن القول إن أهمية هذا الكتاب، تتأتى من الدراسات التطبيقية لعدد من الأعمال الروائية العربية، بصرف النظر عن اتفاقنا مع المؤلف أو اختلافنا. أما التقديم والجانب النظري، فيمكن في بساطة أن نلحظ شيئا من الخلط والارتباك في المفاهيم.

فاستخدام الضمائر لا يمثل في أي حال من الأحوال حقبة روائية، أو اتجاها أو مدرسة روائية. كما أن الإيهام بالواقعية في الرواية لم يختف من الرواية الجديدة، بل يمكن القول إن كثيرا من الروايات الجديدة تعتمد في شكل مطلق على هذا الإيهام، من خلال الإيحاء بكتابة السيرة الذاتية. ولعل المؤلف يلحظ معنا هذا التداخل الكبير في الرواية الجديدة بين الرواية والسيرة الذاتية، وهو ما جعل من ضمير المتكلم سيد الحكي والقص. وليس صحيحا القول ـ في إطلاق ـ إن الرواية الحديثة اعتمدت ضمير المتكلم، وابتعدت عنه الرواية الجديدة. وإذ يرى المؤلف أن الرواية الجديدة تمثل اللايقين، فإن الرواية الحديثة أيضا لا تبتعد عن هذا اللايقين، بل هي ثمرة الشك في المقام الرئيس. ولعل مرافعة بودلير الشهيرة في الشعر تبين كيف ألغت الحداثة الأدبية وظيفة اللغة أداة تعبير، بمقدار ما أصبحت هدفا في حد ذاتها، وهو ما لا ينسجم هنا مع الكلام على الرواية الحديثة والحقيقة. 

فرواية مثل «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل» مثلا، تم تناولها هنا  بوصفها تنتمي إلى الرواية الجديدة، بعد أن مضت عقود على تناولها في كتابات نقدية عدة، بوصفها رواية حديثة. 

إن القول، في مقدمة الكتاب، بالاستجابة أو التعبير عن قيم جمالية مختلفة، لا ينطبق على الرواية الجديدة أو الحديثة، بل هو أمر يدخل في سياق التطور الطبيعي للفن، ويعدّه علماء الجمال واحدة من السمات التي تميّز الفنون البشرية تاريخيا. 

بإيجاز، فقد كانت المقدمة، في حاجة إلى توضيح أكبر، وضرب أمثلة على نطاق واسع، بدلا من الاكتفاء بإيراد بعض الملامح والسمات المربكة التي لا تساعد القارئ على تحديد الأشياء، بمقدار ما تسهم في تضليله وارتباكه حيال هذه المسألة. ونحن نعرف من خلال الكتاب، أن المؤلف قادر على ذلك، لكنه آثر الاختصار والتعميم والاختزال في هذا الجانب النظري، ما قادنا إلى ما نحن فيه.

وأخيرا، فإنه لا بد من الاعتراف بأن كل ما لدينا في هذا السياق من مفاهيم وأفكار، كان مجرد ترجمات مبتسرة وقليلة جدا، الأمر الذي جعل هذه المصطلحات بالنسبة إلى القارئ العربي غائمة وضبابية، إلى حد ما، وهذا ما يجعلنا أكثر طموحا إلى مزيد من الإضاءات، خصوصا من ناقد كبير مثل الدكتور شكري عزيز ماضي.

تويتر