أين الحرفيون؟

عبدالله الشويخ

من مظاهر التنمية والحضارة الحقيقية التي أنعم الله بها علينا كثرة المؤسسات التعليمية والجامعات. بالأمس كان أمامنا ثلاثة خيارات لا رابع لها، فإما جامعة الإمارات، والصبر على الخط لأربع سنوات تكتب تاريخك فيها على عتبات فلل المرخانية. أو كلية عجمان، أو الابتعاث إلى الخارج والخروج من الغربة الصغرى إلى الغربة الكبرى. أما اليوم فيكفي أن تطلب كتيب الجامعات الموجودة في الدولة لتُفاجأ بعشرات الجامعات من كل لون وشكل ومن جميع الدول المتقدمة والمتخلفة وفي مختلف التخصصات ولمختلف الدرجات العلمية.

ومما لا شك فيه أن الظاهرة إيجابية بكل نواحيها، إلا أن الفجوة الموجودة على أرض الواقع تبين بوضوح أن العثور على فني مواطن أو عربي في أي من مجالات يعد من المستحيلات. فإما أن تشرح للعامل الآسيوي باللغة الوسيطة «الأردو - أرابيك»، التي أصبحت بحق الأكثر تداولاً في الدولة، أو تستأجر من يترجم ويتحمل العمل عنك.

وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يُعد بسيطاً في ظاهره لكنه في جوهره أكبر وأخطر. دعنا نأخذ الإعلام على سبيل المثال، فالجامعات تُخرج لنا سنوياً مئات الإعلاميين والصحافيين وحتى الفنيين في المجالات المتخصصة الصحافية والإعلامية، وقد تصلنا كتابات هؤلاء ومساهماتهم لكننا لن نجد في موازاة ذلك الفني والحرفي الصغير الذي يدير المطبعة.

دع عنك الوضع الاجتماعي المقلوب في المنطقة الذي أصبحت بناء عليه النظرة شبه دونية لمن يعمل بيديه، بينما هناك في الغرب الذي نأخذ منه كل جديد في ما عدا المفيد، ينظر الكل لمن يعمل بيديه على أنه المايسترو الذي له الحق في أن يصدر التقارير المباشرة لكي تعتمدها الإدارة من دون تأخير. فهو الأقرب إلى الناحية الإنتاجية وهو الأدرى بالنافع أو الضار على المستهلك الأخير.

الأمر لن يحل إلا بوضع كوادر ورواتب عالية جداً وميزات تغري الراغبين فعلاً بسد النقص العربي والمحلي في هذا المجال وتجعله هدفاً للباحثين والطامحين، بالإضافة إلى دور الإعلام في تغيير هذه النظرة وقتل حب الجميع للجلوس وراء المكاتب وإصدار الأوامر، وليس في نزول بعض المسؤولين إلى ميادين العمل للتفتيش وهم يرتدون زي العمال أو قبعاتهم الواقية إلا نوع من الدعوة المباشرة لهذا الأمر من دون التصريح بهم، ولم تزدهم هذه التصرفات لدى الناس غير مزيد من التجليل والمهابة. ولنذكر هنا بأن جيل الوحدة كان في أغلبه من الحرفيين في تجارة اللؤلؤ أو الصيد أو غيرها من المهن التي خلقت رجالاً لا يعيبهم ما كانوا عليه، بل يفخرون بأنهم مهدوا وزرعوا الطريق لهذا الجيل لكي لا تكون عليه مشقة كما كانت عليهم.

في مقال لوزير العمل السعودي الحالي غازي القصيبي نشر في عام 1981م في مجلة تهامة تحت اسم «رأي في التعليم»، يقول: سوف نجد أنفسنا في يوم قريب أمام جيش من المؤرخين والجغرافيين والاقتصاديين والإداريين في الوقت الذي لا نزال فيه في أمس الحاجة إلى السباكين والميكانيكيين والمساحين.

وأترك الرأي لمن يرى عملية الاعمار في شتى مناحي البلاد أن يقرر رأيه في ما ذكر.

تويتر