البصمة الأكثر تأثيراً
ليست بصمة الأصبع وحدها ما يعبر عن هوية الإنسان، فالهوية الحقيقية هي ذلك الأثر الذي تتركه في حياتك أو حتى بعد مماتك، والبصمة الفعلية المؤثرة هي التغيير الإيجابي في ولوج عالم أفضل وأجود في حياتنا، وهي الهدف الأهم الذي لابد أن يكون نصب أعيننا جميعاً. لكن ما الذي يشكل بصماتنا؟ لا شك أن بصماتنا هي انعكاس لهويتنا ومن نحن وماذا ينبغي أن نكون، وليس بالضرورة أن تكون فطرية بل تشكلها عوامل عدة كالدين والأخلاق والتجربة الحياتية الثرية التي تصقل الإنسان وتزيد مداركه، فهذه التجارب هي ما يترك الفرق بين فعل وآخر وبصمة وأخرى، وهي ذكاء استخدام ما اكتسبه الإنسان من معارف وسخرها جاهداً في أفعاله وقناعاته، ثم يمنحها لمن حوله لتكون له بصمة لا تُنسى.
ماذا يستفيد المجتمع من مقدم مسؤول جديد ومغادرته من دون أن يترك بصمة في مؤسسته، تنعكس إيجاباً على دور المؤسسة وحياة الناس من حوله. انظر حولك وتمعّن، أيٌ منا يرى أن النظام الخدمي والتعليمي والصحي ترك بصمات في حياة الناس ومستقبل أبنائهم؟ هل التغيير المظهري الخالي من قيمة حقيقية هو ما نصبو إليه؟ أم أننا بحاجة ماسة إلى تغيير يغوص عميقاً في واقع احتياجاتنا ونظرتنا إلى مستقبل أكثر إشراقاً.
يبدو أن البعض قد امتلك المكان واعتاده، لدرجة يصعب عليه أن يستشف التطوير المطلوب أو أن يترك بصمة تغيير وتأثير دون ادعاء أو استعراض. فالمسؤول الذي تبدو مهامه محددة في سنوات معدودة عليه أن يحقق وينجز الكثير من الجيد وليس الكثير من الاعتياد، وإلاّ لاحقته اللعنات، غير مأسوف عليه ساعة مغادرته منصبه.
في تاريخنا هناك كثيرون ممن تركوا بصمات في وجدان الأمة وفي عقولها، ومازالت أفعالهم وأقوالهم نبراساً يضيء جيلاً بعد جيل، وربما كانت حياتهم قصيرة ولكن بصماتهم عميقة الجذور تظل تشحذ الهمم وتوقد شمعة من أمل في مستقبل أفضل، ولعل هذا ما ينبغي لكل فرد أن يفعله بأن تكون له بصمته الخاصة به المتمثلة في قدرته على التأثير في حياة من حوله.. في مجتمعه.. في وطنه.. وفي أسرته، وإلاّ فإن الحياة تكون بلا معنى وتكون أنت بلا قيمة.. غادرت كما جئت وبصمتِك كأنها أثر على رمال، سرعان ما تذروها الرياح.