د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد*

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

 الإله الحق سبحانه وتعالى هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، هو المعبود الذي لا ربّ سواه، الذي لا وزير له ولا نظير، ولا معين ولا مشير «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير» هذا الإله الذي «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» لا يتصور أن يناظر ولا أن يحاكم أو يغالب أو يحاسب؛ لأنه مالك الملك له الخلق والأمر «لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون» فهو الذي أوجدنا من العدم، وأمدنا بالنعم، وحذرنا من النقم، فكيف مع ذلك كله أن يقال له: لم؟ وكيف؟ وهلا؟ أو غير ذلك، ونحن عبيد مربوبون، لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، لا نقدّم لما أخّر، ولا نؤخّر لما قدّم، فنحن إليه فقراء، وبه نستعين، وعليه نتوكل، ومنه نستمد النفع ونتقي الضر، إن مساءلته ومحاسبته يتناقض ويتنافى مع مبدأ الإيمان بألوهيته سبحانه وتعالى، والتسليم له، والرضا بحكمه وقضائه، وكلنا يعلم ما حدث لإبليس الرجيم يوم أن اعترض عليه سبحانه، وكيف استحق الطرد من رحمته، واستوجب لعنته، وحرم عليه جنته، وأوجب له الجحيم مآلاً ونكالاً، وهذا حكمه الذي لا يبدل مع من عارضه أو عانده أو كابره، بل لمن تصور أن يحاججه أو يغالبه، ولا ريب أن مثل هذا لا يصدر من مؤمن موحد، يحافظ على إيمانه أو يهمه شأنه، ولذلك لا تجد مثل هذا في أوساط المسلمين قديماً أو حديثاً، لعلم المسلمين بربهم وما يجب له سبحانه عليهم، يتوارثون ذلك من ثقافتهم المقروءة كتاباً وسنّة، والموروثة عن آبائهم وأجدادهم وبلدانهم، لكن غيرهم ليس عندهم شيء من ذلك، فالرب في نظرهم له شريك وولد وصاحبة، يمكن أن يصارع ويحاجج ويغالب ويحزن ويبكي ويندم، ونحو ذلك من ترّهات تدل على خلوّ مشاعرهم من تقديس الله، وكم في العهد القديم (التوراة) والجديد(الأناجيل) من هذه الأخبار التي تشمئز منها القلوب، وتمجّها الأسماع، لكونها تتنافى مع ما يجب للإله الحق من القداسة والكبرياء شرعاً وعقلاً، فلذلك تحدث في بلادهم مثل تلك المهازل من المحاكمات ثم لا تحرك مشاعرهم، ولا تكلف القضاة أكثر من رفض الدعوى، لا إنكاراً منهم عليها، أو معاقبة للمدّعي الجاهل الجاحد، بل لأنهم لم يهتدوا إلى عنوانه، يعني ولو  أنهم اهتدوا إليه لكان لهم معه شأن آخر، «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوٌّا كَبِيراً» ولذلك يتعين علينا أن نعرف إلهنا المعبود الحق، وما يجب له من الكمال والجلال والإعزاز والقداسة، بحيث تمتلئ قلوبنا بتعظيمه ومهابته وخشيته ومحبته، وأن لا نتخيل ذاته كما نعرف من الذوات، ولا صفاته كما نعرف من الصفات، بل إن كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، وهو كما أخبر عن نفسه: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» «وسع كلّ شيء علماً» «وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم» سبق حلمه غضبه، وعفوه مؤاخذته، وأنه غني عن العالمين، لن يبلغ العباد ضرّه فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، وأنه يوفي عباده أعمالهم ولا يظلم أحداً، هذا هو الإله الحق الذي يتعين علينا أن نعرفه ونعبده رغباً في رضاه، ورهباً من سخطه، لا كما يتصوره أولئك الجهلاء بمثل تلك المسرحيات الهزيلة، والحكايات الرذيلة، التي لا تليق بالبشر فضلاً عن رب العباد ذي البطش الشديد، والعز الأكيد، الفعّال لما يريد، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

تويتر