5 دقائق

عبدالله الشويخ

كان أجدادنا من سكان شبه الجزيرة العربية قبل أن يمن الله عليهم وعلينا بنعمة الإسلام يتقنون فنون صناعة الأصنام، مع نية مبيتة لالتهامها لدى أول «قرصة» جوع، واليوم يبدو أن هذه المهارة لم تغادر «كروموسوماتنا» بعد، فمازلنا نعشق صناعة الأصنام مع تغيير طفيف في التفاصيل، فهذه الأصنام تلتهمنا دوماً.. حتى قبل أن تشعر بالجوع. تبدأ طقوس الصناعة دائماً بقرار أو أمر إداري بترقية شخص معين من وسط وظيفي لكي يصبح مسؤولاً عن بقية زملائه السابقين، ويأتي هذا «الموظف/ حديث الترقية» إلى العمل سعيداً وقد تأبط لفة «ساندويتشات» لكي يحتفل مع بقية الزملاء. فيتفاجَأ بتغير كامل في السلوك تجاهه.

فالزميل الذي اعتاد مناداته باسمه المجرد أو لقب يكرهه لمدة 10 سنوات أصبح لا يناديه أحد إلا بـ«طال عمرك»، والزملاء الذين كانوا يعاملونه بشكل اعتيادي أصبحوا يعاملونه المعاملة اللائقة بـ«صنم»، والسكرتيرة التي كانت تلقي بالأوراق على مكتبه بكل إهمال أصبحت ترفض تسلّم الرسائل الغير معنونة بلقب «سعادة»، بل و«تقرع» من أتى بها وتلوم الجهة المرسلة.

وهكذا وبعد فترة بسيطة نجد أن المسؤول بضغط أسلوب التعامل معه بهذا الشكل أصبح يتقن الدور وتغيب البسمة و«الساندويتشات» ويبدأ البحث عن قالب جديد ووجه يليق بـ«هبل أو مناة أو العزى».

من الطبيعي أن تتغير حياة كل منا مع كل قفزة وظيفية أو اجتماعية وهذا لا يعيب، فكما تقول العرب «لكل مقام مقال»، وما نستطيع فعله أو قوله أو تصرفه هنا حتماً لا يمكن فعله أو قوله أو تصرفه هناك وإلا لما وجدنا فرقاً يذكر بين الدوائر الحكومية والمجالس والدواوين والمقاهي الشعبية، ولكن ما هو غير مقبول أن يتم إشعار الطرف الآخر بأنه أصبح فوق الآخرين ومن طينة غير طينتهم، لأنه بعد فترة سوف يصدق هذه الأجواء التي وُضع فيها ويعتبر العودة إلى المرحلة السابقة أشبه بالإهانة أو «الترميج»، كما يسمونه زملاؤنا في السلك الشرطي.

اعتياد المسؤول أو أي شخص على نمط معين من معاملة المرؤوسين والآخرين يحجب عنه حقائق كثيرة في التماس طبائع البشر، والقدرة على التواصل الحقيقي معهم، بل ويمنعه من ممارسة حياته الطبيعية كأي شخص. وكم من المسؤولين تاق إلى العودة إلى مرحلة ما قبل التميز فقط وفقط لكي يعود إنساناً عادياً يحبه الناس لحسناته ويكرهونه لأخطائه.   

كثيراً ما يتغنى المتغنون بالغرب ببساطة المسؤولين هناك، على الرغم من أن الطبيعة البشرية واحدة هنا وهناك، ولكن السؤال؟ في رأيي وبلا تزلف؟ بأن المسؤولية لا تقع على المسؤولين، بل تقع علينا نحن أفراد الجمهور الذين نتعامل معهم فإذا عاملناهم كأصنام فلهم الحق في ذلك الحين بأن يقرروا ما إذا كان السجود واجباً علينا أم أن الانحناء كافٍ.

تويتر