من المجالس

يقول بعض الحالمين بالمشي على طريقة الطاووس إن تطوير التعليم في دول المنطقة عموما، وعندنا خصوصاً، لن يحقق أهدافه إلا بإلغاء المواد الأدبية والتركيز  على المواد العلميةفقط. فنحن بحاجة إلى علماء ومخترعين يحققون لنا إنجازات علمية ويأخذوننا إلى مصافّ الدول المتقدمة التي تصنع وتنتج وتنجز، فتكون يدها هي العليا. وبالتالي لا داعي إلى إضاعة الوقت والمال والجهد، مع الجغرافيا والتاريخ والآداب واللغة والدين، لأنها جميعا لا تبني مصنعا ولا تنجز آلة ولا تكوّن ثروة. والصحيح أننا فعلاً بحاجة إلى تطوير الجانب العلمي والتطبيقي في عمليتنا التعليمية، لكي نستطيع أن نسجل أنفسنا رقماً صحيحاً في سجلات الدول والأمم المتقدمة، بدلاً من البقاء في صفوف الدول العالة المرهونة بما عند الآخرين. ولكن هذه الرغبة وذلك الطموح لا يعطي العذر للتطرف في الفكرة إلى درجة المزايدة على من نعدّهم قدوة المجتمعات البشرية في التقدم العلمي والعملي.

ففي دول الاختراعات والاكتشافات والاختراقات والصناعات، لا يزال التاريخ هو مفتاح المستقبل، والجغرافيا هي بوصلة الحراك، والآداب هي «ترمومتر» قابلية الإبداع، واللغات لسان الطموح، والمواد الاجتماعية والعلوم الإنسانية هي صنو العلوم التطبيقية. أما الدين فقد أثبت بأنه هو الحبل الذي يربط المستقبل بالهوية، والطوق الذي يمنع الغرق في بحر الذوبان الثقافي والحضاري، خصوصاً إذا كان هذا الدين هو الضابط والموجه والمفصّل،من دون أن يكون في أي وقت عائقاً أمام الولوج إلى المستقبل كالدين الإسلامي الحنيف.

هل يمكن أن نتصور مجتمعاً بلا علم اجتماع، وطباً بلا علم نفس، ومصنعاً بلا علاقات إنسانية،  وديناً بلا معرفة، وعلوماً بلا آداب؟ في الدول المتقدمة التي نرمي بأبصارنا نحوها تحظى كل هذه العلوم باهتمام لا يقل عن علوم التطبيق، لأنها ببساطة توأمه الذي لا ينفصل عنه. فكما أن للعلوم التطبيقية إبداعاتها واكتشافاتها، فإن للعلوم الأدبية والإنسانية فتوحاتها التي تجعلها المحور الذي تدور حوله كل العلوم القائمة على سعادة الإنسان والساهرة على مصلحته. ولذلك نحن بحاجة إلى من يقدّم الحكمة، لا من يغلبه الإحساس بالدونية إلى درجة الاحتباس.  

adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة