سائر الفقراء
إذا كان لكل «شخص ملكية في ضميره»، كما تقول الأدبيات الإمبريالية، في ضحكها المارق على الذقون، فلنا نحن الفقراء أن نخسر مع الأغنياء كل يوم؛ حتى وان كنا بلا بورصات وبلا مال وعقارات وبطاقات اعتماد ومنازل مرهونة وأثاث.
سنخسر إذاً، سنخسر كما يخسر أصحاب المصارف الأميركية الذين كانوا يسخرون من دور الحكومات الرعوية، ثم إننا سنخسر ايضا ومن دون سخرية تقال أو تذكر، لأن الحكومات كلها ستقف مرتبكة وعاجزة عن العناية بالنفوس البشرية، على اعتبار انها لم ترغم أي إنسان على أن يصبح غنياً، وبالتالي لن ترغم أي إنسان على أن يكون فقيراً.
سنأكلها على الأرجح «ولعة»، كما يقال بالمحكية المصرية سواء في هذا الإعصارالمدمر أوفي الأعاصير المقبلة، سنأكلها ولأول مرة سنتشارك مع العالم المتحضر في طعام واحد، والأكيد هنا أن هذا الطعام الاشتراكي لن ينتمي الى الوجبات السريعة والشهيرة التي صارت تطوق العالم بثقافتها، وانما بوجبة خشنة مكونة من المرارة ومبهّرة بالدموع.
يا فقراء العالم ناموا على الطوى، ناموا الى جانب قدر الحجارة وتفننوا في خداع أطفالكم وزوجاتكم، فالواقع البشع أخرج لسان حاله بلا لباقة، وبدأ يردد ويقول «لن تبقى بعد اليوم جهات داعمة ولا خطوط فقر تصعد أو تهبط، ولم يبق لكم سوى أن تستشمروا بواعثكم الإيمانية لنجدة أميركا وكل الدول الإمبريالية، لتعود الى دورها الحضاري لأن انهيارهذه الدول، الذي كان أمنية عند كل التقدميين في الأمس، صار مصيبة تشبه انهيار لعبة الدومينو، يا فقراء العالم لا تعودوا الى الماضي ولا تمجدوا أفكار «لينين» ولا تنظروا في اطروحاته القديمة.
يا فقراء العالم لا تغضبوا من الرموز الرأسمالية ولا تنبشوا عظام «آدم سميث»، ولا تلوموا هذا الرجل الامبريالي على نظرياته التي أدت الى المراكمة المفرطة في رأس المال، فقد كان في نيته الطيبة أن يجعل الرفاه عالمياً.
يا فقراء العالم هذا الاعصار المعولم والمجنون ليس هزة أرضية يمكن أن تذهب بعدد من العمائر والمقابر، أو تلوك جزءاً من سكة الحديد، كما أنه ليس تمويها لحظياً يمكن أن يمضي خلال عام أوعامين، أو مشاجرة يمكن أن تنتهي بتبويس اللحى في المؤتمرات الدولية أو في الندوات الممجوجة لحوار الحضارات، وسيضرب الممتلكات الدنيوية في الغرب والشرق، وبه ومعه فقط، سنصير سواسية، ولا يحق لأحد منا أو منهم أن يعترض اذا اعتدى على الحقوق أوالجهود. يا فقراء العالم انضموا برفق الى التسليم بأن هذا العالم، المسروق منذ بدايته، كان مغامرة غير محسوبة تتلاعب فيه القوة المتوحشة.
يا فقراء العالم، ويا صورته الاتكالية والخاملة، آن أوان الجوع، فالجوع يهذب الطبيعة الأخلاقية، وعلى هذا يصبح المجاز في عبارة ان لكل «شخص ملكية في ضميره» حقيقة لا يمكن انكارها، أمام قوة لا تعرف شيئاً عن موضوع الرحمة، ويمكن أن تحسد الفقير على الجسد، حتى وان فقد صحته وطعامه ودفئه وقِدْر حجارته وبقي عارياً؛ لا شيء يحميه سوى التراب.
zeyad_alanani@yahoo.com