أقول لكم
قبل أشهر عدة، كانت الصناديق السيادية في موقع الشبهة لدى الدول الغربية مجتمعة. والصناديق السيادية هي أجهزة الاستثمار التابعة للدول، وخصوصاً تلك الدول التي تحقق فائضاً مالياً، وتسعى إلى استثماره في الأسواق العالمية ، ولم تقدر حكومات الغرب أهمية الأموال التي تضخ إلى أسواقها المالية، ووضعت عشرات الاتهامات، وعقدت جلسات مباحثات هي أشبه بالمحاكمات، وتم إملاء الشروط المقيدة لحركة الأموال وحرية اتخاذ القرار من قبل إدارات الصناديق. واليوم تتغير الصورة، والدعوات تتلاحق من أجل ضخ أموال الصناديق السيادية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ويقف مسؤول كبير ليدعو الدول ذات الفائض المالي إلى «التصرف بمسؤولية» ويصبح ذلك شعاراً لحملة إنقاذ الاقتصاد الغربي المنهار بوصفه نظاماً مالياً قائماً على الفرص والابتزاز وسحق من يقف في الطريق أو ينافس.
ويتوافد كبار المسؤولين في وزارات الخزانة والمصارف المركزية الغربية على الدول صاحبة الصناديق السيادية، وتعود الإملاءات مع اختلاف الاتجاه، فهي تتجه إلى العكس اليوم، يراد لها أن تكون المنقذ، وتتصاعد وتيرة الدعوة التي ظاهرها استدرار العاطفة وباطنها الابتزاز ، ويصبح «التصرف بمسؤولية» مطلباً غربياً رسمياً، يتم التفاوض على كيفية تطبيقه، وليس آلية تنفيذه ، والشروط الآمنة التي يجب أن تتوافر لحماية أموال الأجيال القادمة من شعوب الدول المالكة للصناديق السيادية، وعلى رأسها عدم إملاء الشروط على الصناديق في كيفية استثمار أموالها ، أو توجيهها نحو الاعتبارات السياسية كما حدث قبل أشهر عدة، وكذلك عدم قيام الولايات المتحدة وأوروبا بتقديم حلولها لتجاوز الأزمة التي تسببوا فيها ، أي أن هذه الدول نفسها لم تتصرف بمسؤولية تجاه نفسها، فلماذا تطلب مثل هذا التصرف من غيرها ؟
ولكن الواضح هو أن النظرة الغربية الفوقية للدول الأخرى ، أو المناطق الأخرى من العالم، مازالت مترسخة في أذهانهم، ولهذا نراهم يلعبون لعبة «شفط» الفوائض من الدول الأخرى، بينما خزائنهم تفيض بأضعاف مضاعفة عن كل ما تملكه الصناديق السيادية، وهذه خطة للحفاظ على رفاهية شعوبهم واستمرار تفوقهم في الحصول على الامتيازات المعيشية والضمانات الاجتماعية وتقوية اقتصاداتهم عبر أموال غيرهم ، وغيرهم مازال يبحث عن رفاهية شعوبه فلا يجدها مستقرة ومستدامة.