عن أمة مصدومة..

باسل رفايعة

أتابع الكتابة في هذه الجمعة عن الانتخابات الأميركية التي جاءت برجل أسود من أصول كينية رئيساً لأميركا، وتركت العالم بين مذهول وحاسد ومُعجب، وأنهت عقوداً طويلة من الاحتراب العرقي في الولايات المتحدة، ويمكن لأيّ منا أن يتخيل ملهم الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كينغ مبتسماً في قبره، وساخراً بعمق من قاتله الأبيض جيمس راي، وربما بسخرية لا تقلّ شماتة أيضاً من كل الأمم الضعيفة التي فقدت حقها حتى في الحلم، فقنعت بهامشيتها وإقامتها الطويلة في الماضي.

أمة العرب مصدومة بالطبع، فهي لم تعرف في تاريخها وحاضرها انتخابات من هذا النوع، بل إنها لاتزال تتجادل داخل أروقة الجامعة العربية عن وثيقة للرقابة على البث الفضائي، ولاتزال ترى في التقارير الدولية حول أوضاع حرية الرأي والتعبير لديها وسجن الكتّاب والمثقفين «تدخلاً سافراً» في شؤونها الداخلية!

أمة مصدومة، ولا شيء يزيد من عجزها وإفلاسها أكثر من الديمقراطية والتحضر. مصدومة لأن شاباً من أصول إفريقية استطاع الوصول إلى أعلى منصب في هذا الكون، بفضل الديمقراطية والثقافة المبدعة، وهما عملتان لا مكان لهما في التداول العربي، وينظر إليهما باستخفاف وازدراء، باعتبارهما سببين مباشرين للشرور والفوضى! أمة مصدومة. فهذا رجل أسود يُدعى باراك حسين أوباما، ليس من ذوي الأصول، ولم يتحدّر من الأعراق النقية، ومن بطون القبائل والسادة وعِلْية القوم. وهذه انتخابات تأتي به رئيساً على البيض والسود. كيف يحدث ذلك؟!

لا يتقبل العربي هذا الحدث، ولا ينظر إليه إلا من باب العجائب، أو من باب ما يحدث في آخر الزمان من بدع وضلالات. فصندوق الاقتراع في «بلاد العُرْبِ أوطاني» ليس طريقاً للتغيير، وليس سبباً له. والتغيير نفسه لا تعريف له في النسخة العربية من البشر إلا في ما يتعلق بتغيير الملابس، والسيارات، وأحجار الشيشة في ذلك الاسترخاء الطويل الذي ننفخ فيه دخاناً كثيفاً على هوامش التاريخ! ولا ننسى ذلك الزعيم العربي الذي كان مصدوماً جداً من تعامل الصحافة معه في دولة على شمال الأطلسي. الزعيم استنكر بشدة كيف يسمح مضيفه للصحافة في بلاده بأن تنتقده وهو يحلّ ضيفاً عليهم، معتبراً ذلك خرقاً لأصول الضيافة، وتقاليدها. المضيف، وهو رئيس دولة أوروبية، دفع شعبها ثمناً باهظاً للحرية والانعتاق، لم يجد حرجاً في أن يؤكد له بتهذيب شديد ودبلوماسية عالية أن دستور بلاده لا يمنحه أي حق، ولا صلاحية للتدخل في عمل الصحافة، وإذا فعل فإن عليه أن يواجه القضاء. الإجابة صدمت الزعيم فعلاً، وتخيل الأمر معكوساً. تخيّل لو أن زعيماً زار بلاده وحاولت صحيفة أو صحافي انتقاد سياسته!

أترك للقارئ أن يتخيل مصير تلك الصحيفة وذلك الصحافي، وأتصرف بفقرة صغيرة من المقال الأخير للصحافي الأميركي توماس فريدمان، فقد أشار إلى أن محافظين جمهوريين من البيض قالوا لزملائهم إنهم سينتخبون جون ماكين، وعندما توجهوا إلى صناديق الاقتراع انتخبوا باراك أوباما، وذلك لأنهم شعروا بمدى التأثر والتفاؤل الذي أصبح عليه أبناؤهم حيال أوباما، فرغبوا في أن لا تتحطم هذه الآمال، ووجدوا أن من واجبهم صناعتها سراً     

 baselraf@gmail.com

تويتر