انتصار ليس لنا

مع أن انتصاراً، من نوعٍ ما، حققه فوز «الرجل الأسود بالبيت الأبيض»، من قبيل إنهاء التفوق العِرقي الذي ساد لعقود مريرة، والانتشاء الطبقي الذي عمّ مدن العالم الفقير من«كينيا»، وأحياء الصفيح على سواحل أميركا اللاتينية، حتى أزقة المزاريب في بلاد الشام، ابتهاجاً بأن صبياً مُعدماً كبر وصار فجأة رئيس الدولة الأغنى، وسيد الكون المبجّل! لكن الاحتفال، الذي بدأ للتو بالفارس الأسمر الوسيم، الذي يحتاج شهوراً طويلة لأن يخفت، يفترض أن يصيب قرّاء السياسة الحاذقين بالفزع، لا بالتفاؤل!

ذلك أن العرب الذين كثيراً ما صلوا من أجل هزيمة «الليكود»، كان دمهم أكثر استباحة في مواسم حزب «العمل»، وحينما كانوا يتطيّرون من أعاجيب «الجمهوريين» لم تكن أحوالهم تسرلا صديقاً أيام «الديمقراطيين»، وانطبقت عليهم دائماً قصة العجوز الذي زوج ابنتيه لمزارع وصانع فخّار، فلما سألته امرأته عن أحوال ابنتيه أجاب: إن أمطرت ابكِ وإن أشرقت ابكِ !  والعرب، من دون شعوب العالم، لم يبكوا صيفاً وشتاءً، إنما علا نشيجهم في الفصول السياسية جميعاً، وظلّ محصولهم دائماً «أعجر»، وفخّارهم نيئاً !

ولأن الولايات المتحدة الأميركية، دولة مؤسسات، ونظام سياسي مستقر، وقرارات تخضع للدراسة والتخطيط، بغض النظر عن عدالتها أو تعسّفها أو حتى وحشيتها، يبدو الرهان على «السيد باراك أوباما» ضرباً من الحُمق، ذلك أنه ليس مَلكاً من ملوك العالم الثالث، ولا رئيس جمهورية يُعدّل دستور الدولة ليوافق عيد ميلاده، وليس صاحب قرار منفرد حتى في تعيين سكرتيره الشخصي، وبالتالي لن تأخذه نوبة حماسة مفاجئة فيغيّر الجيوش التي في العراق غرباً لتحرير فلسطين!

تحتاج هذه العواطف الهوجاء للعقلنة، فليس يكفي أبداً أن يكون الرجل داكن اللون، ومتحدراً من أصول إفريقية فقيرة لنعتقد أنه يهجس في ليله ونهاره بمعاناة أهل غزة أو بيتامى الفلوجة العراقية!!

وتكفي الخطوة الأولى، بتعيين إسرائيلي على رأس موظفي البيت الأبيض ليصاب هؤلاء المتفائلون بالوجوم، وهو وجوم مضحك وطريف في رأيي، فالرئيس الجديد لم يعد العرب بشيء، ولم يقل إننا شغله الشاغل، ولم يعدنا بتحريرنا من عبوديتنا، نحن فقط الذين افترضنا فيه ذلك، وحمّلناه أوهامنا على ظهره، ونحن بالتالي من سيصاب بخيبة الأمل الفادحة، من دون أن يدري عن جحافل هؤلاء الراقصين في العتمة !!

مشكلتنا كانت أننا لم نضع فارقاً واضحاً وذكياً بين فرحتنا العارمة بالتخلص من بوش وبين تفاؤلنا بالرئيس التالي، فشعار التغيير الذي طرحه أوباما هو تغيير داخل أميركا بخصوص الحقوق المدنية والتأمين الصحي والتعليم.. الخ، وليس بالتغيير في مهانتنا وخنوعنا، فنحن ببساطة لسنا جالية أميركية، ولنا رؤساؤنا الملهَمون والمكلَّفون بنا وبالولاية علينا!! المهم في هذا الوقت، لو كنا نتعامل مع حقوقنا بجدية، أن نعترف بأن معركتنا مع جورج بوش لم تنتهِ، وأن علينا لو كنا فاعلين وحقيقيين، ولسنا مجرد حناجر مبحوحة، أن نحرك منظمات عربية ودولية لملاحقة مجرم الحرب جورج بوش باسم كذا مليون قتيل عراقي، وإيصاله بأي طريقة لمحكمة العدل الدولية، حينها نحتفل بانتصار لنا.. ولا نمد أفواهنا الجائعة لانتصار أميركي بحت لا يخصّنا!

تويتر