ثقافة مهشمة
إن كان كل ما وصلنا إليه الآن يصنف، بحسب المؤرخين الجدد، على أنه مجرد توكيد على التشيؤ ووحشية الجنس وثقافة «التوتو ـ ني» المعدلة والمتجددة فلنا ألا نتوهم نحن العرب غير ثقافة مكسورة ومهشمة لا تتباين فيها وجهات النظر،ولا ترتبط مع الواقع الفعلي بفعل الممارسة.
هل باتت الثقافة حديث صالونات محددة تستعرض لتزجية الوقت؟ أم شهادة علمية محصلة من إحدى الجامعات تقطع جذورها مع مخرجات التربية والتعليم، كي ترتبط ارتباطاً آلياً بالوظيفة وسن التقاعد ؟ أم أنها نسق معرفي يجب أن يسري في كل خلايا الحياة ونواتجها؟ لا نريد هنا أن نستعرض العوامل والأسباب التي تجعل القوة الإدراكية عندنا قوة فصامية في فهم الثقافة وفي طرق تمثيلاتها في الواقع، لأنها كثيرة جداً وجل ما نريد أن نقول أن الثقافة نشاط يجب أن يتغلغل في الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بشكل عضوي. على غرار من اقترنت ثقافتهم مع أفعالهم مثل نليسون مانديلا الذي حول سجنه الطويل إلى يوغا خاصة ملأى بالأفعال التحررية، وكذلك المهاتما غاندي الذي كسر السلاح بسلمه ليقول لنا بما معناه لا يعقل أن يكون المرء مثقفاً في الجامعة وأمياً في الشارع!
ولا يحق للمرء أن يكون مثقفاً في المكتبة وجاهلاً في البيت! وليس ممكناً أن يمشي المرء برأسين لكل رأس منظومته الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية، إلى الحد الذي يمكن فيه أن تصير الذات آخر أو يصير الآخر ذاتا برمشة عين لا أكثر.
لا نجدّف قطعا إذا قلنا إن لعنة الفصام هذه لها علامة كاملة في مجمل المجتمعات العربية، ولا يحتاج أي متابع الى أدوات كثيرة لرصدها في الواقع الذي لا يجد من يحاكمه أوينتقد مساراته،لأننا أمام واقع متروك كما أننا أمام شرائح لا أحد يساندها أو يساعدها على صناعة الحاضر والمستقبل، أو يغيّر في في بعض قناعاتها التي بنيت على بواعث غير ثقافية تحارب المعنى وتحارب كل ما ينتج عنه من أنسنة.
وبما أن المجتمع متروك، فلا بأس أن نجد أنفسنا أمام جملة من الخطابات المتروكة أيضاً وغير الموائمة لدلالاتها العامة؛ وقد تأتي هكذا: خطاب الناس وخطاب السلطة وخطاب الموالاة وخطاب المعارضة وخطاب المثقفين، وكل هذه الخطابات وغيرها تنغل رافعة شعاراتها الداعية إلى سعادة الفرد والأسرة والمجتمع، وهي إلى ذلك مجرد إسهام في إشاعة الفصام الثقافي. كيف يكون المثقف بمنأى عن تعدد هذه الاتجاهات وتنوع اللافتات الحمر والصفر؟ بل كيف يكون صافياً مثل حبب الأسنان؟
هل يمكن أن يكون المثقف مثقفاً وهو يغط في خيباته المتراكمة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تتضافر في عز المشهد كي تقول إن الثقافة يجب أن تكون صورة ناطقة لأفكار المثقف ومقاصده السوية وتجليات المعنى الإنساني وحضوره في حياته وفي مكانه، على شكل بيت ووطن وعالم، وليس على أساس بقعة أو زاوية مأهولة بالعماء. إن ما يؤثر في فعالية الثقافة وكيفياتها يكمن دائماً من خلال تطبيقاتها والتناغم معها، والدفاع عن وجودها، وتأكيدها قيمة عليا لا يغشاها التدليس أو التدنيس أو التعشيب في حقول المنفعة الشخصية لا غير.
zeyad_alanani@yahoo.com