5 دقائق

نعم لقد أباح الإسلام ضرب المرأة الناشز- المترفعة عن طاعة زوجها- ولكنه ليس ذلك الضرب الذي يصدر من هؤلاء فاقدي الرحمة والمعروف، الذين لا يبالون كيف وقع، ولا بأي وسيلة؛ لأن تشريعه إنما كان وسيلة لإصلاح اعوجاج المرأة حينما لا ينفعها نصح ولا وعظ ولا هجر، فعندئذ لا مانع أن يرفع الزوج عصا القوامة بالتهديد والوعيد لمن يخالف رب الأسرة ويسعى لإفساد مملكته وقوامته، كما شرع الله تعالى له بقوله: «وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيٌّا كَبِيرًا».

وهو من باب قول الشاعر الحكيم:

 قسا ليزدجروا ومن يك حازماً          فليقسُ أحياناً على من يرحم

 ولكن لا يكون ذلك بالعصا الغليظة ولا اليد البغيضة، بل بما يشعر بالقوامة، من غير أن يضرب وجهاً أو يقبح؛ لأن ذلك أذيّة مقيتة، ونكثٌ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أمته، فقد كان من خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قوله: «ألا فاستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم- أي أسيرات-ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». فهذه الوصية يتعين على كل مسلم أن يحفظها ويطبقها في واقعه مع كل إنسانة؛ لأنها وصية الرؤوف الرحيم، فقد وصى بها في هذا المكان العظيم والعبادة العظيمة ليجمع لها حرمات الزمان والمكان والعبادة، فمن نكثها فكأنه لم يبال بكل ذلك، كيف وهو صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة لأمته في جميع شؤونهم وحياتهم الخاصة والعامة، وقد كان معه تسع نسوة، فعاملهن كلهن أكرم معاملة، وجعل ذلك الإكرام معيار خيرية الإنسان، فقد روت  عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». وقد كان من خيريته صلى الله عليه وسلم أنه «ما ضرب امرأة قط، ولا ضرب خادما قط، ولا ضرب بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله»، بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يكون في بيته في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. هكذا كانت معاملته لأهله صلى الله عليه وسلم، وهو الأسوة الحسنة للفإن تنكر الزوج المؤمن لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وذهب يستضعف زوجه يضرب ويسب ويخاصم، فإنه لا مانع للمرأة أن تدافع عن نفسها بما تقدر عليه؛ لأنها محترمة النفس والمال والعرض، فالتعدي عليها يوجب القصاص «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاص». فإن عفت عن ذلك أو كان ما لا قصاص فيه، وجب فيه الارش (التعويض) أو الدية في النفس عند العفو عن القصاص، وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام، وما كان من هذا القبيل جاز فيه الدفع والمقاومة؛ لأنه بغير حق، فلها أن تدفع عن نفسها بكل وسيلة، بشرط عدم ال

* كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية     

تويتر