من المجالس

كلما ورد خبر عن عملية قرصنة بحرية قرب الشواطئ الإفريقية، قفز السؤال بقوة إلى أعلى الجمجمة ثم عاد ليرتطم بقاعها: وأين الأساطيل البحرية العابرة المزودة باكثر الأسلحة تطوراً وأدق الرادارات، والتي تنازع سكان البحر على مياهه؟ وأين القواعد العسكرية التي حوّلت الشطآن إلى مدن عسكرية مزوّدة بكل التجهيزات والاستعدادات؟ وأين الأقمار الاصطناعية التي نقلت الازدحام من شوارع نيويورك ولندن وبرلين وشنغهاي وبيترسبيرغ الى الفضاء؟ في ظل كل هذه الاستعدادات وصل الاعتقاد بأن القرصنة البحرية أصبحت في خبر كان، وتحولت إلى فصل من فصول التاريخ التي تصلح لإنتاجها في استوديوهات «ديزني» وأخواتها.

وساد الظن بأن قراصنة الذهب انضموا إلى صيادي اللؤلؤ بالاعتراف بأن زمانهم قد طوته العولمة وأضعفته حكومة القرية العالمية، فتنازلوا عن اللقب إلى بدلائهم الإلكترونيين الذين استبدلوا بالبحار الإنترنت وعوالمها العنكبوتية. ولكن «إخواننا» في شرق إفريقيا كانوا الأكثر مقاربة للواقع. فهم خارج تلك القرية العالمية الإلكترونية، وحركتهم في فصول التاريخ توقفت قبل أن يصل العالم إلى الترف الإلكتروني والبطر المعيشي والتطور الذي جعل للبعيد الغني كل السلطة على النائي الفقير في أرضه وثرواته ومدخراته وخيراته. ولذلك بقيت القرصنة كنمط وحرفة باقية على مفهوم قطع الطريق وسلب الضحية، متجاوبة في ذلك مع القرصنة المقننة التي تفرضها شرائع القوي وتبررها آلة دعايته.

ولكن المفارقة الكبرى أن هؤلاء القادمين من الماضي السحيق يواصلون قرصنتهم البحرية بكل حرية وأريحية، وصلت إلى درجة خطف ناقلة نفط بحجم جزيرة صغيرة تحمل في خزاناتها ملايين براميل النفط الخام، وفي خزائنها 100 مليون دولار، ثمن تلك البراميل. ومع ذلك فإن شرطة القرية العالمية، التي تمتلك الصواريخ الذكية وأجهزة الرصد الدقيقة جداً، وسفن المطاردة السابقة زمانها، لا تستطيع إيقاف أولئك القراصنة المتخلفين، وتعترف بأن وقف عملياتهم مسألة صعبة. هي المهزلة ولكنها ليست على طريقة مسرح الواقع، بل على طريقة قسوة الواقع التي كثيراً ما ترتد لتجعل الضحايا هم المذنبين.

adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة