فاكهةٌ في حلم

يرى البعض أن الأحلام إلهام رباني يأتي من عالم الغيب ليقدم لنا إشارة ربما توجه حياتنا، ويرى سواهم أن الحلم ليس أكثر من شيطان يتسلل إلى داخلنا مبشراً بالعصيان الذي يحطم بعض السكينة الباقية لنا.

نفسياً هناك من يرى الحلم تجسيداً أقصى لحقيقة الإنسان ولأهوائه الجامحة، وبالمقابل هناك من لا يجد في الحلم شيئاً يستحق العناية باعتباره خروجاً فاضحاً عن حدود العقل المفترضة. لكن الأطراف كلها تتفق أن في الأحلام رسالة ما وأن لها في النهاية دلالة، جيدة أو سلبية كانت. في الثقافة العربية احتلت الأحلام وتفسيرها حيزاً مهماً من الوجدان الشعبي، باعتبارها نوعاً من التعويض عن العجز والضعف، وطريقة في التحايل على الواقع. 

تبرز الأحلام هنا كتنويع من تنويعات الحكاية الشفهية، ولكنها أكثر قدرةً على تمرير الرسائل والاعتراضات فهي في النهاية ليست سوى حلم في أجفان نائم. ومن قد يخاف من أضغاث حلم؟

في نموذج لبث الرغبات عبر الأحلام تروي الحكاية أن رجلاً رأى في المنام، الأميرة الأموية عاتكة بنت يزيد واقفة تلقي الشعر في مسجد النبي وهي التي تغزل بها الشاعر الأحوص قائلاً: يا بيت عاتكة التي أتعزّلُ / حذر العدى وبه الفؤاد موكل.

وعندما روى حلمه لمفسّر الأحلام الشهير ابن سيرين، فسّره بقرب نهاية حكم الأمويين. إذاً في ثقافتنا الحلم حدث محملٌ بأقفال تحتاج لمن يفتحها وهو نهرٌ يحتاج إلى «معبّر»، ولذلك يبحث الحالم عن مفسر دائماً، يعبر به إلى الحقيقة بين أمواج الكلام. بذلك تتقاطع ثقافتنا بشكل ما مع الطروحات الحديثة التي ترى في الحلم منطقة مختلطة بين حضور الوعي وغيابه، وطريقا للحرية ولكن في غياب الفعل. فنحن في نومنا مترعون بالحرية ولكننا عاجزون عن ترجمة حريتنا إلى فعل. من ناحية ثانية الحلم معادل للبرزخ، إذا اعتبرنا النوم تمريناً على الموت، فالبرزخ في المأثورات العربية مكانٌ يحتمل الماء والنار، يكون حديقة وساحة معركة، والحلم طيران وردي وكابوس قاتل.

لكن ماذا عن أحلام اليقظة؟  هل هي الأحلام التي نمتلكها ونسيطر عليها ونسبح في جمالاتها، مقابل أحلام الليل الهاربة منا والقافزة من أعماقنا إلى ليالينا. هل نستطيع أن نضع اليقظة وأحلامها في خانة المعلوم والواضح،مقابل أحلام الليل التي تنحاز إلى خانة المجهول والغامض؟ قد يكمن الفرق بين أحلام اليقظة وأحلام النوم في الفرق بين الفاكهة والزهرة:

الفاكهة جمال نأكله بشراهة ولذة في اليقظة، والزهرة جمال نحسّه بشاعرية في نومنا وبعض الثقافات تخلط بين اليقظة والحلم، فيحكمون على من حلم بأنه أقام علاقة خارج نطاق الزوجية بدفع الغرامة نفسها التي يدفعها فيما لو فعل ذلك حقيقة، وعليه يصح أن الكتمان هنا خير من البيان.

وهذا الخلط بين اليقظة والحلم يجد مسوّغه في أن الأرواح السالفة تحضر فينا بينما نحلم. وحلم فرعون الشهير ذو دلالة في حالة كهذه الحالة. ففرعون حلم، ثم نتيجة لحلمه قتل الأطفال الذكور لينتصر على الحلم. احلموا جيداً فربّ حلم صار حقيقة. 


  ytah76@hotmail.com

تويتر