من المجالس

عادل محمد الراشد

تعرّفتُ إلى كامل زهيري - رحمه الله - ولم أقابله، وعرفتُ منه كيف يمكن أن يكون الكاتب دليل قومه وبوابة بلاده، وقد كنت أعرف الأستاذ كامل ككاتب وصحافي ورئيس تحرير ونقيب صحافيين ورئيس اتحاد الصحافيين العرب، وذلك من باب أن الرجل كان أحد نجوم الصحافة في مصر، وأحد أعمدة الثقافة على مستوى الوطن العربي، ولكنني وجدتُ نفسي أقيم علاقة من نوع خاص مع الرجل، وأتعرف إليه من قريب وأنا أتابع حركة مداد قلمه «من ثقب بابه» الذي كان يطل من خلاله على قرّائه في كل أرجاء الوطن العربي محملاً بهموم أرض الكنانة ومحيطها العربي الفسيح.

وكنت أقترب أكثر فأكثر من الأستاذ - رحمه الله - كلما أوغلت في متابعة مقاله اليومي «من ثقب الباب» الذي كانت تنشره جريدة «الاتحاد» بتزامن مع جريدة «الجمهورية» المصرية في ثمانينات القرن الماضي، وأشعر بزمالة من نوع خاص تجمعني مع الأستاذ الراحل في همّ كتابة العمود اليومي، فأنهل وأتعلم في كل يوم فن الوصول إلى قلوب وعقول القراء بجمل قصيرة، ومعان عميقة، ومعلومات وفيرة، وتجارب غزيرة، وروح خفيفة، وخطاب مباشر لا يلفّه الغموض، ولا تتخلله الأغراض الشخصية، ويزيغ ولا يشطح ولا ينبطح إلا للحق عندما يقف بجوار الحقيقة.

وكما تعرّفت إلى الأستاذ كامل زهيري ولم أقابله، تعرّفت إلى شارع المعز لدين الله في قلب القاهرة القديمة وزرته وتنقلت بين بيوته وقصوره التاريخية ومساجده الأثرية وجدرانه القديمة قبل أن أشد الرحال إليه، وذلك عبر مقالة لن أنساها كتبها الأستاذ في أعقاب الزلزال الذي خرّب القاهرة واصفاً «متحف الهواء الطلق» كما سمّـاه، ومحذراً من الكارثة التي تنتظر مبانيه ورموزه، فكان ذلك المقال هو الدليل لمن لا يعرف المكان، والدليل لمن بيده أمر المكان، ليصدر الأمر بترميم وصيانة الشارع وكل مبانيه.

هكذا بدت لي رسالة الكاتب، فوجدت نفسي في مدرسة من نوع خاص لتعلّم الكتابة وفن الحديث باسم الحقيقة على يد أستاذ لم أتتلمذ على يده، ولكن على بساط سطوره. رحم الله كامل زهيري وأسكنه فسيح جناته ونفع بميراثه.
تويتر